في قطاع غزة لم نلاحظ اي ردة فعل ذات مغزى على استشهاد السنوار ورحيله، ربما الناس من الضيق والبؤس والتعب واليأس بحيث لم يعودوا آبهين لمثل هذا الحدث، الذي تناوله كل العالم. او انهم اصبحوا من الخبرة بمكان لأن يدركوا ان رحيل السنوار لا يعني ابدا إننا صرنا قريبين من نهاية الحرب، وفي كلا الحالتين هم محقون وبالضرورة ان يسمع صوتهم دائما. منذ البداية، اي منذ الساعات الأولى بعد هجوم السابع من أكتوبر العام الماضي، كان هناك إدراك ان إسرائيل ستعاقب قطاع غزة عقابا شديدا، وان واقعه وتكوينه سيتغير بموازاة واقعه السياسي، واكثر من ذلك اصبح معروفا ان الحرب لن تبقى بحدود غزة، بل ان مساحتها ستمتد الى مناطق أخرى وتتوسع وتتعقد إلى ان يتغير الواقع الاقليمي برمته، وتذكر تصريحات نتتياهو الاولى “سنغير الواقع في الشرق الاوسط”.
ولتوضيح ذلك بجملة واحدة الحرب اصبحت أكبر من قطاع غزة وحماس والسنوار، وان مساراتها ومساحتها ايضا هي أكبر من مساحة فلسطين ولبنان وسورية، بل هي تتمددوتتسع لتشمل مساحات بملايين الكيلومترات المربعة. كما ان اهداف الحرب توسعت هي الاخرى، وان نهايتها ستؤثر على الواقعين الاقليمي والدولي، وان المنتصر فيها سيحجز له مكانة ليس في المنطقة بل في النظام الدولي الذي قد يضيف او ينقص من مكانة هذا الطرف او ذاك.
السنوار، بهذا المعنى ومعه قطاع غزة وحماس، تحولوا إلى جزء بسيط من المعادلة الحربية والسياسية والاستراتيجية، ولذلك فإن رحيل السنوار له بعد عاطفي رمزي فقط ولا يؤثر بالأحداث الكبرى. وحتى لبنان قد يتحول إلى الحالة ذاتها التي وصل اليها قطاع غزة، خصوصا إذا امتدت الحرب لتشمل مساحات اوسع، وقد تكون طبيعة الضربة الإسرائيلية لإيران وحجمها يقرر طبيعة المرحلة المقبلة من الحرب.
وهناك ضرورة إلى رؤية واقع الشرق الأوسط اليوم من زوايا متعددة ليصبح مفهوما اكثر، زوايا اوسع من ان تحصر في القوى والعوامل الاقليمية، ففي نهاية الامر القوى الكبرى هي من سيرسم الصورة النهائية للمنطقة وكل حسب حجمه وتاثيره، وان القوى الاقليمية على شتى توجهاتها وقوتها ستكون بحاجة للقوى الكبرى إمادعما في السلاح او السياسية والدبلوماسية، فالحلول، او بعضها سيخرج من مطبخ مجلس الامن الدولي، وهناك ستكون المساومات بالمجمل، خصوصا بما يتعلق بالمواجهة في لبنان، وبين إسرائيل وإيران، اما قطاع غزة فله مسار مختلف قليلا، في القطاع هناك إمكانية لفرض واقع دون الحاجة للأخذ بالاعتبار طهران او القوى الكبرى الأخرى لان إسرائيل ومعها قوى أخرى تعتبر غزة منطقة لن تعود في مجال نفوذ احد.
وفي نظرة لخارطة الشرق الأوسط ونرى حدود التغيرات التي قد تحصل بفعل مجريات العمل الحربي. لنبدا من لبنان، فالوضع هناك لن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب، وان اتفاقا جديدا سيكون بشانها، وهذا الاتفاق لا تمليه فقط مجريات المعارك، وإنما مصالح الدول الكبرى ايضا لكونه مرتبطا بدرجة كبيرة بالوضع في سورية، وهذه الاخيرة ستشهد ايضا متغيرات واضحة وكبيرة مع نهاية الحرب، قد يتعزز الوجود الروسي والعربي فيها على حساب الوجود الإيراني، لكنها ستبقى منطقة نزاع من نمط مختلف لان كلا من الروس والاميركيين موجودون هناك على الأرض ويتقاسمون النفوذ. اما اليمن فهي منطقة قد تحل مشكلتها بالعمل السياسي لاحقا ولكن بعد إضعافالحوثيين وخلخلة قوتهم، والسبب ان اليمن تاريخيا منطقة معقدة ومرتبطة بمعادلات ومصالح دولية مختلفة.
الحرب خرجت من كونها حربًا موضعية محدودة الجغرافيا والاهداف إلى حرب رقعتها الجغرافية واسعة جدا، واهدافها مفتوحة يحددها امرانالحرب والمصالح، فما قد ينتزع في أرض المعركة اما سيغير ميزان المصالح او يصطدم بها، لان هناك حربا أخرى تجري في العالم، الحرب الاوكرانية الروسية، وهناك توترات قد تنفجر في اي لحظة في شرق آسيا، والجميع يؤثر ويتأثر بما يجري في الشرق الأوسط، لذلك الحرب اكبر من السنوار بكثير واكبر من الاطراف الإقليمية مهما بلغت قوتها.