نعم، لا شيء في قطاع غزة سوى حرب الإبادة الجماعية، لا شيء في غزة سوى بشر يفتك بهم، يقتلون، أو يموتون جوعا ومرضا وخوفا، أو من عدم الرغبة في البقاء تحت ضغط لحظة قدوم الموت، إذا لم نكن نرى هذه الحقيقة، فمعنى ذلك أن دولة الإرهاب تكون قد نجحت في جعلنا بشرا بلا مشاعر، بلا قدرة على اكتشاف المأساة وهي تقع لنا، وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لشعب. وقوع النكبات ليس قدرا، أو مخططا تآمريا لا مناص منه. الضحية لا يمكن توجيه اللوم لها، وهذا صحيح، ولكن هذا نقاش مع الآخر وليس نقاشنا الداخلي، فنحن ارتكبنا الكثير من الأخطاء لنسهل على عدونا ممارسة وحشيته، فاشيته وعنصريته، ساعدنا في حصول نكباتنا، وإذا لا نتوقف ونسأل لماذا وكيف وصلنا إلى النكبة سنبقى الضحية في مراحل أخرى قادمة.
المقاومة فعل نبيل في مواجهة الاحتلال والعدوان، وفكرة المقاومة لن تموت بانتهاء فصل من التاريخ، ولكن هناك حاجة أن نقيم وندرس إذا ما كانت المقاومة تحقق هدفنا أم أهداف العدو.
في الأيام الاخيرة انشغلنا بكيف استشهد السنوار بطلا، وهذا أمر مهم، ولكن ونحن منشغلون في قصة البطولة، حول العدو شمال غزة إلى مجزرة متواصلة، كان العدو ينفذ مخططاته بأبشع الطرق، يقتل ويشرد ويطهر عرقيا، يدمر كل حائط اسمنت لا يزال قائما، لقد حول العدو القطاع إلى منطقة منكوبة لا تستطيع العيش فيها.
إذا كنا لا نرى ان الشيء الوحيد الذي يحصل في غزة هو جهنم، الدمار الشامل، ولا نرى ان قطاع غزة قد تحول إلى أرض طاردة للحياة، فلدينا مشكلة عميقة، لدينا مشكلة وعي، ونصر على قبول الوهم اكثر من فهم الواقع.
ومن تابع ويتابع يلاحظ الماكينات الإعلامية التي تسهم في تضليلنا، وتغييبنا عما يحدث في قطاع غزة بالفعل، والخطير في هذه الماكينات العلنية والشبحية منها، انها في واقع الأمر تشكل غطاء ودخان تمويه ليواصل العدو الإسرائيلي ذبحه للشعب الفلسطيني في غزة من خلف هذا الدخان دون ان نلتفت وندقق، وما ان ينقشع هو ودعاية تسويق الوهم، حتى نستفيق على نكبتنا الهائلة متأخرين جدا.
من دون شك، جميعنا مع كل من يقاوم، ولكن عندما تتحول المقاومة إلى مبرر للإمعان في الذبح يجب ان نتوقف ونترك شكلا آخر من المقاومة ليتدخل، المقاومة السياسية، لربما تنجح في كبح جماح الحكومة الفاشية المجرمة. وعلينا ان ندرك حقيقة جوهرية ان صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه هو أسمى أشكال الفعل المقاوم في صراع مثل صراعنا مع الرواية الصهيونية، والذي جوهره الأرض. وأي شيء من شأنه ان يسهم في اقتلاعنا عن أرضنا علينا ان نتلافاه بقدر ما نستطيع، وهذا بحد ذاته النضال الأذكى والأكثر نجاعة.
في قطاع غزة علينا ان ننظر ليس فقط ما نريد نحن وإنما ما يخطط له عدونا؟ والسؤال الأخير في هذه اللحظة التاريخية يحتاج إلى تركيز أكثر، وان نعرف كيف نواجهه؟
في هذه المرحلة علينا ان نركز على هدف مباشر واحد وهو وقف حرب الإبادة، وألا نقدم مبررا ليوم إضافي واحد يتم خلاله ذبح الشعب الفلسطيني في القطاع، يوم واحد تضيفه إسرائيل لتنفيذ مخططاتها، امام هذا الواقع هناك ضرورة ان يمتلك الشعب الفلسطيني موقفا موحدا،
– اولا: ان مصلحة اي فصيل ليست أهم وأثمن من الشعب الفلسطيني وحماية وجوده على ارضه.
– ثانيا: المقاومة حق مشروع ولكن عندما تتحول إلى مبرر ليواصل الفاشيون في إسرائيل مذابحهم ويمرروا مخططاتهم حيال قطاع غزة والقضية الفلسطينية فهذا يجب ان يتوقف.
– ثالثا: ليس مسموحا لفيصل وحده أن يقرر مسألة الحرب مع إسرائيل، وان أي عمل مقاوم بالضرورة ان ينطلق من أجندة فلسطينية وطنية، وان يكون الفعل المقاوم عمل مدروس من زاوية موازين القوى، بمعنى ان نقرر شكل المقاومة معا في كل مرحلة، وألا نهدر دمنا وتضحياتنا ليستفيد منها غيرنا.
– رابعا: جميع الفصائل يجب ان تكون داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وان تقرر عبر مؤسساتها أي إستراتيجية يجب اتباعها.
انه امر محزن ان يتحدث كتاب اعمدة إسرائيليين، خاصة في صحيفة “هآرتس”، عن الإبادة الجماعية في القطاع ويجعلوا منها الموضوع الأساس لأجندتهم الاعلامية ونحن نحلق في عالم الأوهام، في قطاع غزة لا شيء سوى حرب الإبادة الجماعية، هذا ما نحتاج ان نركز عليه، وان نعمل على وقفها.