لن يسقط اتفاق أوسلو

حميد قرمان

ما زال البعض يعزف على وتر انهيار اتفاق أوسلو، وفشله في تحقيق دولة فلسطينية مستقلة؛ الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. عزف يستهوي الباحثين عن تأزيم الوضع، خاصة بعد خروج حماس من دائرة الصراع، واستبعادها نهائيًا من ترتيبات اليوم التالي للقطاع.

أمام مراوحة عبث التصعيد العسكري في المنطقة، واستمرار فشل رهانات إيران ومحورها، وتعنت إسرائيل بنيامين نتنياهو، وقلة هامش الخيارات أمام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تمنح المملكة العربية السعودية سُلّمًا لنزول جميع الأطراف من على شجرة الصراع والعنف. بواقعية النهج والمسار، تبني المملكة تحالفًا دوليًا ضاغطًا لتحقيق حل الدولتين، وتربط مصالحها ومصالح المنطقة بخطوات عملية ملموسة تفضي إلى إنهاء دائرة العنف وتحقق السلم المنتظر بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بقاعدة راسخة من القرارات الدولية، المغلفة بقانونية اتفاق أوسلو.

بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، استغلت إسرائيل الأوضاع الأمنية المعقدة في ذلك الحين لتدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية، وحاصرت الراحل ياسر عرفات إلى حين اغتياله. ليأتي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ويكرس إعادة بناء المؤسسات كسبيل وحيد لتعزيز صمود الإنسان الفلسطيني على أرضه. لتزرع إسرائيل بذور الانقسام وتدفع حماس للقيام بانقلابها عام 2007، بل ولم تكتفِ بذلك حيث مدت حماس بكل أسباب الاستمرار في خطفها للقطاع، تارة بحروب تمنح الحركة من خلالها شرعية نضالية فلسطينية أمام الشعب الفلسطيني في غزة، وتارة أخرى بأموال تأتيها بحقائب بموافقة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ضمن تفاهمات حياتية عقدتها الحركة مع إسرائيل بوساطة قطرية.

سياسات إسرائيل باستهداف وإضعاف أجهزة السلطة الفلسطينية، لم تمنع السلطة من التخلي عن واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني، ولم تحد من قدراتها على تطوير آلياتها ومساقاتها، وهو ما اعترفت به مؤسسات دولية؛ كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين قدما العديد من التصديقات بقدرة السلطة الكاملة على إدارة اقتصاد دولة مستقلة، وتمكين أدائها في مجال بناء المؤسسات وإيصال تقديم الخدمات العامة إلى الشعب الفلسطيني، ما ينعكس على النهوض بالدولة في أي وقت في المستقبل القريب نظرًا لمدى قوة مؤسسات السلطة الفلسطينية، وآفاق النمو الاقتصادي الفلسطيني المستدام.

معارضة أوسلو ومسار التسوية، اليوم، تأتي في سياقات الهروب من فشل ما قامت به حماس من عبث عسكري أدى إلى تدمير القطاع على ساكنيه الذين باتوا بين قتيل وجريح ومفقود ونازح، وانهزام إيران واندثار مشروعها من المنطقة. وهناك أيضًا من يرى في الجهد السعودي على المسرح الدولي تهديدًا لاستمرارية نفوذه في استغلال الورقة الفلسطينية طيلة السنوات السابقة.

درك السعودية أن استقرار المنطقة ينطلق من تحقيق متطلبات أفراد الشعب الفلسطيني بدولة يمارسون فيها قدرتهم على بناء كيانهم السياسي بأنفسهم. في المقابل، يثق الفلسطينيون في الدبلوماسية السعودية، فالعديد من المنعطفات التي مرت بها المنطقة، أثبتت نجاعة الرؤى السعودية؛ من حرب اليمن التي قادها جمال عبدالناصر، إلى احتلال العراق للكويت، مرورًا بمقاربتها في لبنان، إلى مواقفها إبان ثورات ما سمي بالربيع العربي، ومحاربتها التوغل الإيراني في المنطقة، وانتهاءً بسياسة احتواء دمشق وإرجاع مقعدها في الجامعة العربية، وغيرها من المواقف السياسية والرؤى الإستراتيجية.

أوسلو اتفاق؛ لن يجلب الفلسطينيون أفضل منه في الظروف الراهنة، في ظل استمرار مخططات منظومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو الباقية على سدة الحكم في تل أبيب، وعجز إيران ومحورها بأكمله عن امتلاك أوراق تفرض من خلالها رؤى سياسية لصالح الفلسطينيين. وهو ما يتطلب منهم التمركز خلف الثقل الدبلوماسي للمملكة في قيادتها التحالف الدولي لدعم حل الدولتين، تحت عنوان سياسي وحيد فقط: لن يسقط اتفاق أوسلو.

عن العرب اللندنية

شاهد أيضاً