بيد مبتورة – طفل فلسطيني يعزف لحن الأمل من أرض النزوح

السياسي – بعد مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر 2023، يواصل الجيش الإسرائيلي، حربه على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، ويتعرض القطاع لعشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي، مع ارتكاب مجازر ضد المدنيين، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح غالبية السكان.
ويعيش الفلسطينيون النازحون في قطاع غزة في مخيمات مكتظة، وأفادت الأمم المتحدة بأن 9 من كل 10 أشخاص في قطاع غزة نزحوا لمرة واحدة منذ بدء الحرب مقدرة عددهم بنحو 1.9 مليون فلسطيني من سكان القطاع البالغ عددهم قرابة 2.4 مليون نسمة تقريبا.
ويواجه أطفال قطاع غزة عواقب مأساوية للغاية، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى جانب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، ما أدى الى خلق وضع صعب للأطفال، وصدمات نفسية بحاجة إلى علاج، حيث تثقل الحرب الإسرائيلية بظلالها القاسية على أطفال القطاع الذين دفعوا ثمنها الأعلى.
وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف): “إن الحرب في غزة تسببت في مقتل 40 طفلا كل يوم طيلة العام الماضي، والوضع في القطاع جحيم على الأرض، وتشير التقديرات “المحافظة” إلى أن عدد القتلى بين الأطفال تجاوز 14100، منذ السابع من أكتوبر /تشرين الأول 2023″.

-العزف بيدٍ مبتورة
الطفل محمد أبو عيدة فقد ذراعه مع بداية الحرب، بعد السابع من أكتوبر 2023، خلال قصف الجيش الإسرائيلي لمنزل عائلته في جباليا شمال القطاع، وبقي تحت أنقاض منزله رفقة عدد من أفراد أسرته، قبل أن يتم استخراجه بعد ساعات من الاستهداف، ومكث في مستشفى الشفاء بغزة 60 يوماً انتهت ببتر ذراعه، لينضم بذلك إلى مصابي الحرب بإعاقات دائمة.

الطفل محمد كان يعزف على آلة العود قبل الحرب، ولكن بعد بتر ذراعه، وجد الأمل من مدربة الكمان سما نجم، والتي حاولت أن تفتح فوهة للضوء أمام محمد، من خلال فكرة ابتكرتها لربط قوس الكمان بذراعه بواسطة منديل قماشي، لتعيد إليه القدرة على العزف ومواصلة حلمه، وتصبح تلك الحركة البسيطة جسراً بينه وبين أحلامه التي يطمح لتحقيقها، بعدما مزقتها قذيفة إسرائيلية.
ويقول الطفل محمد : “قبل الحرب كنت أعزف العود بطريقة ممتازة، وبعد الإصابة أصبحت أعزف على الكمان، من خلال وضع قوس الكمان على يدي المبتورة، والمدربة سما تساعدني في تعلم العزف على الكمان، وهذه الفكرة ممتازة وباتت تخرجني من أجواء الحرب، وتغير من مزاجي كل يوم”.

وكانت المدربة سما نجم التي تعلمت فن العزف على الكمان في معهد “إدوارد سعيد” للموسيقى، عكفت على فكرة مساعدة الأطفال الذين يعانون بسبب الحرب، وتحويل الآلام إلى ألحان الأمل، وتقول سما : “خلال الحرب نظمنا فعاليات للأطفال النازحين في مراكز الإيواء، لتعليمهم الموسيقى، وبدأ محمد معنا منذ بداية الحرب، لكن بعد بتر ذراعه لم يستطع الاستمرار بالعزف على آلة العود، لأنها تحتاج إلى اليدين للعزف، وبعدها قمت بعمل طريقة لربط القوس على يده بواسطة قطعة قماش للعزف على الكمان، وهذا أسهل من العزف على العود، وذلك لجعل هذا الطفل يستمر في حلمه، ليكون البتر بداية لحلم جديد”.
وتضيف: “كانت الفكرة في البداية صعبة، ولم أتوقع نجاحها، ولكن إرادة محمد كبيرة رغم أنه مبتدأ على عزف الكمان، لكنه يطمح للتعلم أكثر، وهذا يساعده للاستمرار حتى الوصول للعزف على الكمان بسهولة، ومن خلال محمد بتنا نوصل رسالة لكل الأطفال الذين فقدوا أحد أطرافهم، أن البتر ليس نهاية الحياة، بل سيكون حافز للتحدي والاستمرار، لبناء أمل وطموح جديد، ورغم الواقع الصعب إلا أن النجاح سنجده في النهاية”.
ويشعر الطفل محمد وهو يعزف في مخيم للنازحين في النصيرات وسط القطاع، أنه لم يفقد ذراعه، بل ما زال يتمتع بقوى وقدرت ليكمل حياته وموهبته، خاصة وأن الإصابة سببت له في البداية حالة نفسية صعبة، ويقول محمد: “أطمح في المستقبل بالسفر إلى الخارج، والحصول على طرف صناعي متحرك، وأحقق حلمي بالموسيقى، وأعزف على الكمان والعود، وأحصل على عمل لمساعدة عائلتي”.
وتجمع عدد من الأطفال في مخيم النزوح، لمشاهدة عزف المدربة سما والطفل محمد، لنشر الأمل على أرض النزوح، وسط ضحكات خجلة من الحضور، وترحيب الأهالي، ويقول النازح أحمد سليم : “هذه المبادرة ساعدت الطفل محمد، ومنحته الأمل من جديد لكي يستمر، وهذا درس أن الحياة يجب أن تستمر، ومع كل فقد هناك ضوء وأمل، ويجب الوقوف مع كل ذوي الاحتياجات في القطاع، ومساعدتهم لتجاوز صعوباتهم”.

وقبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، كان نسبة الأشخاص من ذوي الإعاقة نحو 2.6% من إجمالي سكان القطاع البالغ عددهم قرابة 2.4 نسمة، وقد زادت هذه النسبة مع توثيق 12 ألف حالة إعاقة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ليصل العدد إلى قرابة 70 حالة إعاقة، وسط توقعات بارتفاع الرقم.

وتفيد معطيات أممية بأن ما لا يقل عن ربع المصابين، يعانون من إصابات غيرت مجرى حياتهم وتتطلب خدمات إعادة التأهيل الآن ولسنوات مقبلة.

 

شاهد أيضاً