قال الميجر جنرال باتريك رايدر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية إن عملية نشر منظومة “ثاد” هي جزء من “التعديلات الأوسع التي أجراها الجيش الأميركي في الأشهر القليلة الماضية”، لدعم تل أبيب والدفاع عن الجنود الأميركيين من هجمات إيران والجماعات التي تدعمها في المنطقة.
إن نشر منظومة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ الباليستية سيعزز الدفاعات الجوية الإسرائيلية بعد الهجوم الصاروخي الإيراني في وقت سابق من هذا الشهر وهو دليل على أن الولايات المتحدة هي سيدة العالم بلا منازع ولها الكلمة الفصل فيه، بمعنى التلويح بالقوة في وجه إيران الطامعة في السيطرة على الإقليم.
تتركز البنية السياسية الخارجية الأميركية على الاختلاف الجوهري حول إيران بين الديمقراطيين والجمهوريين فيما يتعلق بملفها النووي، هذا فعلا ما لمسناه. ففي الوقت الذي يعمل الحزب الجمهوري على تقويض الملف ومحاولة منع إيران من تخصيب اليورانيوم خوفا من أن يقودها لصنع قنبلة نووية، نجد بأن الديمقراطيين مع سياسة احتوائها بالطرق الدبلوماسية، وهذا التباين في الموقف مرده الحفاظ على إيران كقوة مفيدة للولايات المتحدة. ووسط الصراع الإعلامي بين الطرفين، ثمة أمور مخفية غير مكشوفة أمام الكل، وتدرك واشنطن جيدا ما قدمته لها إيران في حربها على أفغانستان، وقد اعترف مسؤول إيراني في وقت سابق بقوله إنهم قدموا لأميركا المساعدة في حربها ضد طالبان، كما قدموا لها المساعدة في العراق.
كانت واشنطن وطهران وقتئذ تشتركان في هدف واحد وهو الحيلولة دون أن تتحول أفغانستان إلى قاعدة للجماعات الإسلامية السنية المتطرفة، لاسيما إحدى الجماعات التابعة للدولة الإسلامية والتي تناصب الولايات المتحدة وإيران العداء.
السؤال المطروح هل تعتبر منظومة ثاد التي نقلتها الولايات المتحدة ويقوم بتشغيلها ضباط أميركيون قوة ردع لإيران أم لحماية إسرائيل؟ في الحقيقة الولايات المتحدة تعترف وتصرح دائما بأنها الحارس الأمين لإسرائيل، ولن تتخلى يوما عن الدفاع عن أمنها. وهذه المنظومة ليست فقط كالعصا تلوح بها واشنطن في طهران فحسب، بل هي من أجل التصدي للصواريخ البالستية المهددة لإسرائيل وهذا هو الهدف الأساسي من هذه المنظومة.
وعلى ضوء ذلك لا ينبغي الظن أن واشنطن عازمة على القضاء على إيران بشكل كلي وتقويض أركانها ومن يظن ذلك فهو مخطئ، لا يوجد في أجندة الولايات المتحدة مثل هذا السيناريو، ولكن ما تسعى إليه هو استبدال النظام الإيراني ليكون أكثر مرونة ويستجيب لسياساتها في المنطقة، ويلبي حاجتها الإستراتيجية. فالتعاون الأميركي – الإيراني منذ الشاه خير دليل على الانسجام بين الطرفين في تحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، والبعبع الإيراني سيبقى أداة في يد واشنطن حتى الرمق الأخير، ويجمع أغلب المراقبين على أن وجود إيران في المنطقة بهذه القوة هو من أجل إبقاء المنطقة العربية في حالة من الخوف والقلق من إيران، ولا يوجد في السياسة الأميركية شيء اسمه إقصاء الخصم بشكل كلي، ولكن الهدف دائما تقزيمه مع الحفاظ على وجوده كقوة ردع.
خلاصة الأمر أن الجدل حول تهديدات إسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية والبنى العسكرية التحتية من أجل أن توقف طهران دعم أذرعها في المنطقة، والإقرار بتوافق أميركي – إسرائيلي على ذلك، فيهما هدف بإبقائها دولة لها حضور في المنطقة، وهذا يخدم إسرائيل في تشكيل خارطة العلاقات مع العرب، بحجة الخوف من إيران التي تهدد الدول العربية وإسرائيل على حد سواء، فقوة إيران من دون مشروعها النووي يخدم إسرائيل، وكما كانت توجد علاقات إيرانية- أميركية، كانت لإسرائيل علاقات مع طهران زمن الشاه وخصوصا في مجال الطاقة والتكنولوجيا والسلاح.
هناك أمر مهم وهو ما دعا إليه علي السيستاني المرجع الشيعي في العراق مؤخرا، بتحييد الفصائل الشيعية وعدم ضرب إسرائيل واستهدافها. وهذا دليل آخر على أن الشيعة في العراق وإيران يسيران في نفس الاتجاه وهو عدم الدخول في حرب شاملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. مسرحية الحرب الكرتونية بين طهران وواشنطن ومعها إسرائيل إذن يفهم من خلالها عدم القضاء على إيران بشكل كلي، فالمطلوب من الإيرانيين التوقف عن دعم ما يسمى محور المقاومة، والتخلي عن طموحها النووي، مع الإبقاء عليها كقوة ردع ومصدر خوف للعرب كما أسلفت آنفا. وإجمالا، ما هو ضروري لأميركا واسرائيل ليس القضاء على إيران وإنما الإبقاء على العرب دائما في خوف من تهديداتها.
يبدو أننا اليوم في قلب صراع سياسي على زعامة الشرق الأوسط أقطابه الولايات المتحدة الأميركية وإيران وإسرائيل، أي القبول بتعددية الأطراف وعدم مساواتها الجوهرية. بمعنى هناك تسلسل هرمي وعلى جميع الأقطاب المتسارعة احترام القطب الأوحد المسيطر على العالم وهو أميركا.