تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط بها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما شكل خطراً على المعلومات الحساسة ومصادر المعلومات، فضلاً عن الإضرار بتحقيق أهداف الحرب في قطاع غزة في الوقت التي تعمل فيه على تكريس استراتيجية الأمر الواقع، والمضي قدماً في إنشاء منطقة عازلة في عمق قرى جنوب الليطاني.
والواضح من تصاعد قضية التسريبات وامتداد الاتهامات لعدة أسماء أخرى مشتبه تورطها بأن القضية ستكون محل تحقيق مشترك بين جهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة والجيش أن القضية ليست عابرة، وأن اتهام نتنياهو الرقابة العسكرية بالتأخير في رفع الحظر من أجل تشويه سمعة وصورة مكتبه ومساعديه ليست إلا جزء مما يجري. الثابت من ملابسات ما أعلن أن المشتبه فيه لم يحصل على تصريح أمني من جهاز الأمن العام (الشاباك)، بسبب شبهات، وأنه على الرغم من ذلك رافق نتنياهو في قاعدة هاكيريا ووحدات عسكرية سرية، وكان حاضراً في جلسة الاستماع في مكتب رئيس الوزراء، وأن هناك محاولات من بعض الشخصيات العسكرية والمعارضة بالتأكيد على أن رئيس الوزراء هو المسؤول عما يحدث في مكتبه من عملية تسريب لبعض الوثائق الخاصة بالحرب على غزة والحرب في لبنان مع الاستمرار في توجيه اتهامات لعدد من الشخصيات الأخرى، فيما يحاول نتنياهو أن ينأى بنفسه عن الأمر، ويلقي بالمسؤولية على الآخر.
وستؤدي التحقيقات في التسريبات السرية إلى زيادة التوترات بين مكتب نتنياهو ووزارة الدفاع الإسرائيلية وباقي الأجهزة الأمنية، مما سيسلط الضوء على الانقسامات المتزايدة بشأن سياسة غزة ومفاوضات المحتجزين كما ستكون للقضية تداعيات على الحملة التي يشنها نتنياهو ضد قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية بسبب إخفاق 7 أكتوبر.
في المجمل تعكس قضية تسريب الوثائق السرية حجم الخطر في الداخل الإسرائيلي، وتحديداً داخل مركز اتخاذ القرارات التي تعتبر الجهة الأكثر حساسية، وهو ما يقوض ثقة الجمهور الإسرائيلي بإدارة الحرب والقضايا الأمنية الحساسة، وستظل القضية الشغل الشاغل للإعلام الإسرائيلي، حيث بدأت وسائل الإعلام فعلاً بتقديم القرائن والتحليلات والاستنتاجات، ومنها أن طبيعة التسريب تهدف إلى التأثير على الرأي العام الإسرائيلي لدعم موقف نتنياهو المتشدد بشأن صفقة إطلاق سراح المحتجزين لدى «حماس» وإرساء وقف إطلاق النار في غزة.
في هذا السياق المتوتر ليس صحيحاً أن الموقف الإسرائيلي في المستوى الخارجي يمضي في سياق محدد منضبط لتأييد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو برغم ما يثار من تطورات بشأن التباينات بين المستويين السياسي والعسكري، والخاص بموقف الترتيبات الأمنية والسياسية والاستراتيجية التي ستجري في جنوب لبنان، وفي قطاع غزة مع التأكيد على أن هذه المواقف قد تتبدل في المديين القصير والبعيد، في ظل ما يجري من تحديات حقيقية مرتبطة بتماسك الحكومة ودعم الجمهور ما يشير إلى أن أية تطورات ستكون من الآن فصاعداً مرتبطة بعدة أبعاد أهمها العمل على سرعة استثمار ما ستأتي به التغييرات في الولايات المتحدة، خاصة في الكونجرس ومجلس الشيوخ، والتعامل الأميركي مع إسرائيل مع التأكيد على أنه لا يوجد خلاف رئيسي على أمن إسرائيل والدفاع عن مصالحها، وأن إسرائيل في نهاية المطاف شأن داخلي أميركي لا مجال فيه لأية تغييرات حقيقية يمكن الرهان عليها، وهو ما يؤكد الدعم الأميركي اللافت والمستمر لإسرائيل، وأن الترتيبات الأمنية والاستراتيجية التي أقدمت عليها إسرائيل في لبنان حتى الآن بدأت بالفعل من خلال تصفية قيادات الصف الأول في الحزب سياسياً وميدانياً مما سيؤثر على أية مواقف واردة أو محتملة للحزب خاصة بعد تولي الأمين العام نعيم قاسم مقاليد الحزب، وتأكيد خطابه المعلن بأنه ماض في مساره ولن يتخلى عن غزة. وسيعمل نتنياهو على تفكيك جبهات الإسناد القادمة إلى الحزب، فالقرار من أعلى وفي إيران في المقام الأول، ما يؤكد أن الحزب سيختار استراتيجيته بناء على سياسة نفعية في المقام الأول.
إسرائيل ستتحرك في دوائر تثبيت المشهد السياسي الراهن أمنياً واستراتيجياً في لبنان وغزة قبل أي تفاوض محتمل ومطروح، وهو ما سيدفعها لمزيد من استثمار الموقف الراهن لتنفيذ خططها الاستباقية أولاً ما يؤكد نهجها التفاوضي لاحقاً إضافة لوجود رؤية إسرائيلية استراتيجية وسياسية حول الإقليم فيما تطلق عليه إسرائيل شرق أوسط جديد، لا وجود فيه للقوى والفواعل من غير الدول التي تعمل لهز الاستقرار في المنطقة وفق رؤية نتنياهو على وجه الخصوص ما يتطلب استثمار المشهد الراهن وتغييره بالقوة العسكرية.
قضية التسريبات تؤكد أن الداخل الإسرائيلي ما زال ضعيفاً وهشاً، وسيواجه بتحديات حقيقية مع التقدير بأن عام 2025 قد يكون هو الأخير لحكومة نتنياهو الحالية، التي يفترض أن تكمل دورتها في ديسمبر 2026.