استراتيجيّة ترامب لاحتواء إيران

نبيه البرحي

هل هو جنون اسرائيل فقط أم جنون العالم، ما يجعلنا نتساءل أي لبنان بعد الحرب، بل أي شرق أوسط بعد الحرب؟ ثمة رجل سيدخل، بعد شهرين، الى البيت الأبيض بشعار “أميركا العظمى”. للتو، علّق دومينيك دو فيلبان، رئيس الحكومة الفرنسية السابق “انها الأمبراطورية العرجاء حين تتعامل مع أوروبا، أم العصور الحديثة، كما القهرمانة في الحرملك”، ليسأل “هل يعرف ذاك الرجل ما هو التاريخ؟ وهل كان لأميركا أن توجد لولا عبقرية القارة العجوز”؟.

ايمانويل تود، المفكر الفرنسي يسأل ما اذا كان ترامب هو المجنون أم بايدن الذي كان وراء حرب أوكرانيا لتفكيك روسيا. والآن الاجازة لفولوديمير زيلينسكي باستخدام الأسلحة الأميركية ضد منطقة كورسك الروسية.

ايضاً وراء محاولات وقف الديناميكية الاقتصادية للصين، بكلام مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان عن “التنين التائه”، بفرض قيود عليها في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية كما أشباه الموصلات، والرقائق الالكترونية المتطورة، كما دعوة المصانع، والشركات، الأميركية للحد من استثماراتها في الصين، والانتقال الى بلدان أخرى لا تنافس أميركا في مقصورة القيادة.

جنون بايدن تجلّى أكثر، فأكثر، في تفاعله مع جنون بنيامين نتنياهو . هو الذي يدعو الى اقامة الدولة الفلسطينية فعل كل ما من شأنه القضاء على القضية الفلسطينية خدمة للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط . انها المراوغة الديبلوماسية بأبشع اشكالها. السناتور لندسي غراهام وصف رئيس الحكومة الاسرائيلية بـ”الحصان الأميركي ذي الحوافر الذهبية”.

نتنياهو الذي يحلم، بالخلفية التوراتية الضاغطة، تتويجه ملكاً على الشرق الأوسط. لم يعجبه رأي دنيس روس بأن يكون “حوذي الشرق الأوسط”.

كتبنا أن بايدن نفذ، بالدم وبالنار، ما يريده ترامب للمضي بمشروعه عبر الضغط الاقتصادي والمالي. واذا كان دين أتشيسون، وزير الخارجية في عهد هاري ترومان قد أطلق مصطلح “الحرب الباردة” (مع أن أول من استخدمه الملكة ايزابيلا La Guerra fria )، نرى ترامب بـ “الاستراتيجية الباردة”، وان كان بقرع الطبول…

البند الأول في هذه الاستراتيجية الاستيعاب الكامل لايران، حتى اذا ما اصبحت في القبضة الأميركية، بات الشرق الأوسط، بأكمله والى الأبد في القبضة الأميركية، عبر تلك الديبلوماسية اللولبية التي لا تختلف كثيراً عن ديبلوماسية هنري كيسنجر.

الخطوة الأولى، اغراء (أو اغواء) روسيا ليس بساقي الليدي غاغا، وانما بتنازلات “حيوية” في أوكرانيا، وحيث الحرب انعكست بصورة كارثية على روسيا، وان كانت “وول ستريت جورنال” قد تحدثت عن “الصحوة الروسية”، باعادة تأجيج الشعور القومي، والانتقال من حالة الاستهلاك الى حالة الانتاج، ما يعني أن الاتحاد الروسي لن يسقط، كما الاتحاد السوفياتي، بأطباق الهوت دوغ (أي بأسلوب الحياة Lifestyle الأميركية).

احتواء روسيا يعني وقف التعاون الاستراتيجي بينها وبين ايران التي تحتاج الى الطائرات، والمنظومات الدفاعية، الروسية . كما أن احتواء الصين، كأكبر مستورد للنفط الايراني يحرم آيات الله من مورد مالي بالغ الأهمية في بلد يعاني من الاختناق الاقتصادي بفعل الحصار الأميركي.

الصورة تبدو هكذا: ترامب في ذروة القوة. السيطرة على الكونغرس بمجلس الشيوخ، وبمجلس النواب. الفوز الساحق في الانتخابات الرئاسية. في المقابل آية الله في ذروة ضعفه. خسارة البوابة الجيوسياسية في كل من لبنان وغزة، تزامناً مع بلوغ الاقتصاد حدود الانفجار.

باختصار، ترامب يريد أن يمثل آية الله خميني بين يديه مثلما مثل الأمبراطور هيروهيتو بين يدي الجنرال دوغلاس ماك آرثر، بطل الباسيفيك، دون أن يعرف ما موقع ايران لا في التاريخ ولا في التراث…

لكن الأميركيين يعتبرون أن التاريخ بدأ مع اعلان الكونغرس استقلال الولايات المتحدة في 4 تموز 1976. توماس جيفرسون قال “انها بداية العالم”. فاته القول “انها بداية الخليقة”. وليم كريستول قال “الأمبراطورية حيثما يوجد المستقبل لا حيثما يكون الماضي”. أين نحن بين الماضي والمستقبل؟!