إن كان الفرح السوري مبررًا نتيجة سقوط نظام الاستبداد الجالب للطغيان واستعباد العباد وقتلهم وتهجيرهم، وهو الذي لا يمكن الجنوج لتبرير جرائمه الشنيعة ضد شعبه طوال 50 عامًا وضد الثورة الفلسطينية، ولبنان أيضًا في مراحل مختلفة، ولو كان هذا النظام الأسروي يتخذ من شعار”المقاومة” ضد الغزاة منصة يتحدث من فوقها.
إن الفرح الشعبي السوري والعربي مبرر لسقوط الطاغية (في 8/12/2024 الذي يصادف ذكرى انتفاضة الحجارة في فلسطين)، لكنه يطرح عشرات إن لم يكن مئات التساؤلات حول طبيعة النظام القادم! لاسيما والمنتصرون السوريون فيهم من ذيول “القاعدة” أو”داعش” والتنظيمات الاسلاموية المتطرفة ما يثير كثيرًا من القلق والتوجس والخيفة، فلا نستبدل قتلًا وسجنًا وإرهابًا وطغيانًا واستبدًادا بآخر، والآن تحت مظلة الدين!؟
هل نستبدل طاغية بآخر؟
نجد في الثوار السوريين المنتصرين على عائلة الأسد ممن هم تابعون بالحقيقة لمحاور إقليمية! فلا يصحو السوريون على استبدال طاغية بآخر، ومحور بآخر لاسيما في ظل الهيلمان الامريكي والغول الإسرائيلي الفاشي الذي انتهز الفرصة فلم يقبل ولم يستوعب فرح السوريين فاحتل ما طالت يده من جبل الشيخ وجواره (ذات اليوم) معلنًا وجوده بصفة سيد المنطقة وسلطانها.
إن النظرة التفاؤلية أو الايجابية العملية تنبع من أن الشعب السوري البطل والمبدع هو شعب حيّ، وواعي ومثقف وعظيم بشهادة انجازاته بالعالم، ونحن في فلسطين والجوار جزء منه ومكمّل له، لذا فهمّه همّنا ونفرح بالحرية والسلام له، ونتأمل الديمقراطية والعدل وتحقيق دولة القانون والمؤسسات. ونعض معهم على الجراح وندعو لهم بكل المحبة والخير، ولكن التحديات الكبرى في سوريا قد بدأت الآن.
لقاء الشرع (الجولاني)
دعوني ألقى نظرة سريعة وتعليقًا على لقاء أحمد الشرع (أبومحمد الجولاني) مع القناة الامريكية
فاللقاء مهم ويستحق القراءة والنقد، وحُسن النظر والتمحيص، فالرجل بدا مختلفًا عن 12 سنة مضت حيث أن الشخصية انقلبت، ولربما بنت ذاتها او صقلتها الظروف والتقلبات والمحاور. و(ظهر) أنه يتحول من قائد فصيل (متطرف) الى رجل دولة ذو اتجاه وطني عام ومدني انساني، وان لم يتخلى عن اسلاميته بنظرة مرحابة تبغي الاستقرار والبناء. واذ يعترف بين السطور برعونة الشباب شبابه هو فترة داعش والقاعدة، فإنه يفترض بذاته اليوم (الوعي) والتغير والحكمة بعد هذه السنوات. والرجل تغير أيضا ليس فقط بمضامين كلامه، وانما باسلوب التقديم حيث اظهار الثقة والمقدرة وعدم الاهتزاز. وعلى الصعيد السياسي يتجه نحو فكرة المواطنة والقانون وايجاد (حالة قانونية تحفظ حقوق الجميع) لأنه (لايحق لأحد الغاء الآخر) معبرًا عن احترام كافة الأديان والطوائف المسيحية والمسلمة والعلوية والاسماعيلية…..الخ ضاربا المثال الايجابي فيما قدمه فصيله كنموذج مشرق في إدلب ثم حلب. ويعلن صراحة انه ليس مع التوسع الايراني، ولا يغلق الباب معها. وهو مع تركيا وضد التدخل الروسي ولايعادي الامريكان ولم يذكر شيئًا لا عن فلسطين ولا عن احتلال الجولان. الرجل لما سبق يتمتع بعقل عسكري سري يفصل بين العلني والمخبوء. بالختام: استوقفني قوله (من يقتل شعبه حتى لو حكم الارض فهو خاسر) وقوله عن تنظيمه/فصيله الذي يقوده انه (تفصيل وممكن ان يحل باي وقت لانه وسيلة لأداء مهمة). فهل نرى بهذا اللقاء ضوءًا مشرقًا ام ننتظر لنرى بالتطبيق ما يحصل!
وآملين لقوى الحرية والعدالة والديمقراطية التي قامت بالثورة السورية عام 2011م أن تتخذ مقعدها وتسهم برسم خطوط المستقبل، مع كافة الفصائل الأخرى.
التحديات الكبرى
التحديات الكبرى في سوريا ستأخذ أعوامًا صعبة، وربما صراعات مريرة نرجو تجاوزها بسرعة، وهي تحديات منها الداخلية العميقة ومنها الاقليمية والعالمية.
في الإطار السوري الداخلي يجب التنبّه ضمن مواجهة التحديات لأهمية الحفاظ على النسيج الوطني والوحدة الجغرافية، والشعبية (لكل الأديان والطوائف والقوميات…) والسيادة ووحدة المؤسسات والجيش، ضمن وطن واحد، وحيث استغل مجرم الحرب رئيس الوزراء الصهيوني “نتنياهو” الفرصة ليقصف ويدمر ويحتل الأرض السورية بالجولان، والى ذلك يخاطب السوريين وكأنهم مجهول! وشعب غير قائم متحدثًا مباشرة مع الطوائف في سوريا فقط، معلنًا أن مشروعه والامريكي (طاغية العالم) بتقسيم المنطقة هو ما سيسود ومتجهًا نحو مد اليد للطوائف على حساب سوريا الوطن والامة.
في الإطار العربي والاقليمي من المفترض أن يعرف المنتصرون على نظام العائلة المنقضية في الشام أنهم جزء لا يتجزأ من هذه الامة العربية الاسلامية-بالاسهامات المسيحية المشرقية، (عربا وكوردًا وأمازيغًا…) بفكرها الحضاري الرحب الذي يتسع للجميع، والذي تعد فلسطين هي قلبه ومنطلق وحدته اللاحقة، وبما يحقق الانخراط الكامل لسوريا الغد في جامعة الأمة، وبما يجعل من الرعاية العربية لسوريا المستقبل عنوانًا لتواصل الفرح لا للدخول في أزمات ومصاعب وكوارث جديدة تحقق المسعى الصهيوني بالتفتيت والتقسيم الجديد كما كان يأمل الغابر “بن غوريون”، ووزير الخارجية “شاريت”، والطامح صاحب المجازر والإبادة الجماعية الموثقة “نتنياهو”، والمنظّرالعنصري”برنارد لويس”، وكل العقل الغربي الامريكي الصهيوني الاستخرابي (الاستعماري).
الفرح والعيون المفتوحة
إن الفرح بسقوط طاغية باغية يجب ألا يغلق عيوننا عن المحاور الأقليمية المتربصة بالوطن السوري، وخاصة عن المطمع الصهيو-أمريكي لجعل سوريا بيدرًا للمتسيد الصهيوني سواء عبر “ابراهامهم” أو غير ذلك مما يشبهه، في إعادة لفك وتركيب المنطقة.
مبروك للشعب السوري الحرية والكرامة، وبإذن الله نحو الوحدة الشاملة، والديمقراطية ودولة المدنية والمؤسسات والعدالة والقانون لجميع المواطنين.
بكر أبوبكر
رئيس مركز الانطلاقة للدراسات