مُدوا أيديكم الى سوريا الجديدة

بكر أبوبكر
بكر أبوبكر

اتصل بي صديقي وزميلي فيصل من أيام الجامعة وكلية الهندسة، وكان مسار الحديث حول الوضع السياسي الكارثي الذي تعيش فيه منطقتنا العربية بمجملها-والتي أبوا تسميتها بالعربية أوالاسلامية، أو الحضارية المشرقية ليطلقوا عليها “الشرق الأوسط” إدخالًا للإسرائيلي العنصري الغريب في جوفها-وحول ما يحصل في الشام أو سوريا الكبرى ونحن منها.

تحدثنا عبر الهاتف مطولًا كعادتنا كل بضعة أيام، أنا في فلسطين وهو في البلد العربي البعيد وما كان لنا الا أن نربط مجريات الأحداث بالقلب فهو الذي يضخ الدم وهو الذي بدونه تسكن الاطراف وتجف العروق وتتجمد الحياة، وما قلب الأمة الا فلسطين.

قال لي: أن الإسرائيلي يحقق انتصاره على بلادنا من خلال تقديم نفسه كمحتل مكروه، وغازي وقاتل وممارس أصيل للتطهير العرقي ومجرم حرب، ولا يشمئز من أفعاله أحد من خالقي الكيان؟ والعرب بين خائف وحائر؟! ولا أريد أن اقول متآمر!

قلت له: وما العجب في ذلك، وخالقي أو صانعي الكيان من الاستخرابيين (الاستعماريين) كانوا هم أصلًا من كارهي الملة اليهودية لأبناء جلدتهم الاوربيين على مدار مئات السنين وكلما لاحت لهم فرصة للتخلص منهم اقتنصوها وغلفوها بمصالحهم الاستخرابية (الاستعمارية)!، أما عربنا فيا ويلي هم أقوياء جدًا، وهم ضعفاء جدًا!

قال: نعم هو كذلك فنحن متفقان، وللحديث من هذه البداية كُتِبت صفحات كثيرة وسالت أحبار. فلسنا المعنيين قط بمآسي يهود أوربا وكوارثهم ومقتلتهم وعذاباتهم التي ندينها بالقطع، كما لسنا معنيين فيما بعد بقبول ادعاءاتهم غير التاريخية الأسطورية المنزوعة من سياق توراتي-تاريخي لا قيمة له ولا دليل ولا قانون البتة. ففلسطين الحضارة الناطوفية والكبارية هي قبل 20 ألف سنة أي قبل أسطورية التوراة الغريبة بآلاف السنين.

قلت: تحدثت أنت عن الوضع المأساوي بمنطقتنا، وهو ما نتداوله يوميًا وكتبت أنا فيه واستفدت من آرائك والأخوة الكرام الكثير فماذا ترى من جديد! أحب أن أسمع رأيك؟

قال: المتغير السوري كما تعلم متغير عظيم وهام ومؤثر بالمنطقة ككل وبفلسطين، فبعد أن كانت إيران تصول وتجول في المنطقة العربية تهدّد العربي قبل الإسرائيلي، فإذ بها في أقل من أسبوعين انكفأت وأطفئت الأضواء وتم قطع الكهرباء عن مصاديح (جمع مصداح وبالانجليزية مكرفون) إيران وأذرعها بالمنطقة، وطغى صوت السوريين أنفسهم بقيادتهم الجديدة التي تظهر شابة عفيّة مدنية حضارية ليست متطرفة، وبالمقابل أرى العرب، ونحن الفلسطينيين متحفظين بالتعامل مع سوريا الجديدة فيما الغرب يتراكض للفهم وبناء العلاقات؟! فلماذا؟ أيجب أن نظل متأخرين دومًا؟ أم ننتظر الاوامر الخارجية؟!

قلت: لا أظن أن القضية ترتبط بأوامر خارجية. فلقد كتبت 5 مقالات لربما قرأتها تشيد بالفرح الجماهيري العميم، والنصر السوري ضد الظلم والقمع والطغيان والاستبداد لنظام ملأ العالم العربي والاسلامي بشعارات الثورية والقومية، والرد المؤجل والتوازن الاستراتيجي وهو من 50 عاما لم يطلق رصاصة الا على شعبه وعلينا وعلى الاجوار. وطالبت القيادة الفلسطينية والأمة بمد اليد للشقيق السوري الناهض من تحت الركام، لنكون عاملًا فاعلًا وداعمًا للشعب، وليس انتظاريًا يتلقى الإذن من عدمه لفعل هذا أو ذاك من الاستخرابي الامريكي.

قال: أضيف لك أو إذكّرك-كما تعلم- أن شعارات النظام المخلوع قد قبلها اليسار واليمين. حيث نظّر لها اليساريون العرب ومنهم الفلسطينيون، ونظّر لها في مرحلة ما حتى “الاخوان المسلمين” الفلسطينيين أي “حماس”! التي حاولت بمرحلة ما قبل الثورة السورية (2011م) إسقاط منظمة التحرير الفلسطينية بدعم الأسد (حاول ذلك فيما قبل مرارًا، وفشل)، وكما تعلم حين انطلقت الثورة السورية انقلبت “حماس” في سوريا ضد النظام فطردت من البلد، ثم وبعد سنوات لم تطل كثيرًا أعادت “حماس” علاقتها مع إيران حليف نظام الأسد التي حاولت تحقيق التقارب مع النظام السوري و”حماس” ولم يفلح الامر، الا أن “حماس” سُمّيت ضمن المحور الإيراني مع منظمات أخرى فلسطينية وعربية الى أن فاجأنا اعلان مباركتها للنظام الجديد!في انقلاب 180 درجة على المحور!

قلت: نعم إن تذبذب فصيل “حماس” بعلاقته مع النظام السوري شدًا وجذبًا هو صراع بين الأيديولوجية المعادية للأسد، وبين الواقعية السياسية. وحيث التقت المصالح في مرحلة ضد منظمة التحرير الفلسطينية واستقلالية ياسر عرفات والقرار الوطني الفلسطيني المستقل هذه اللازمة التي ما صُنعت الا حين أحكم الأسد الأب خناقه على رقبة الخالد عرفات يريد اللعب بالورقة الفلسطينية، فكان الإباء والشجاعة والاستقلالية سِمة فلسطين ومفتاح عقلها.

قال: أرى الموقف الفلسطيني العام متحفظًا، بل والعربي من النظام السوري الجديد، ولكن النظام الجديد يقدّم صورة جديدة كليًا، وأوراق اعتماد مختلفة تربط بين الاسلام الحضاري المنفتح وبين الديمقراطية أو الشوروية وبين حقوق الانسان والغرب وأمريكا، وبين حرية الرأي والقانون ودولة المواطنة. ولم نجد حتى الآن ثغرة كبيرة في مسار البدايات الانتقالية بالتعامل مع كل مكونات الشعب السوري الذي يجب أن يظل موحدًا وكما قلت أنت أن الشام شامنا وسوريا نحن بأربعتنا أي فلسطين والأردن ولبنان وسوريا نتألم لها ونحبها ولا نريد لها الا العافية، لذا وجب مدّ اليد سريعًا، رغم غموض الموقف من الإسرائيلي الذي يحتل سوريا مرتين ويقدم نفسه لها أنني العدو وأنا السلطان وأنا البعبع أيضًا!.

قلت: نعم، وفي تحفظ العرب تساؤلات أجدها حول تاريخ الغلو والتطرف في مسار التنظيمات الاسلاموية الإقصائية الفكر والفعل، التي منها “هيئة تحرير الشام” والتنقل بالفكر والعمل بين التطرف الى الاعتدال، وفي ذلك قفزة مشهودة قد لا نفهمهما بسهولة، ولكنها تحصل وفيها امكانية التغيير الحقيقي الذي نأمله ونرى بوادره ما يجب ألا نتركه لوحده.

قال: يجب على القيادة الفلسطينية أن تطرق باب الشام، فورًا، وباب قادتها منذ الامس وليس اليوم وكذلك هذا واجب الامة وعلى رأسها مصر والسعودية والمغرب وكل الدول فلسنا بخير إن كان أي جزء من الأمة بسوء حال ويكفينا ما يحصل في الصومال وليبيا واليمن والسودان…. اليوم، ولنتحد معًا لحفظ سوريا ورفعتها ففي ذلك بعض الأمل ونظنه  كثير الأمل

قلت: نعم أوافق على دعوتك بضرورة اللقاء مع القيادة الجديدة في الشام، شامنا بلادنا، وبضرورة الحوار، ولك أن تعلم بالمقابل أنه ليس عدونا إيران مهما فعلت وأساءت التقدير كثيرًا. وها هي قد زال ظلّها عن سوريا ولربما يزول عن مناطق أخرى، وإنما من يحتل أرضنا ويحتل لبنان وسوريا وفلسطين ويقدم نفسه سلطانًا مغوليًا جديدًا هو من يقدم نفسه بلا أدنى إحساس أنه سيظل عدوًا لنا إلا إذا انصاع الجميع له!؟ وما كان هذا ولن يكون من شيم الامة العربية والامة الاسلامية حتى في حالات الخور والضعف أو الرهبة والتذبذب أو وهي منبهرة مأسورة للعقل الاستهلاكي الاستخرابي (وإن ظلت بهذا المستنقع فهي ضعيفة جدًا) لأن فيها من مكونات النهضة (وهنا بالنهضوية هي قوية جدًا) ما إن انطفأت لفترة سرعان ما تشتعل، ففينا القرآن الكريم، والانجيل السمح، والشباب من حملة الحضارة المنفتحة والمتميزة عن الغربية كليًا، أي تلك العربية الاسلامية الرحبة، بالاسهامات المسيحية المشرقية المنفتحة، وبعرب وكورد وأمازيغ هذه المنطقة، حتى يكون للظلم مكانه المعروف بالتاريخ ويكون مشعل الحرية أبدًا مع اصحاب الحق والعدل والحرية.

دعني أختم مكالمتنا هذه يا صديقي المهندس فيصل أن فلسطين كما تعلم هي القلب، وفلسطين هي حاملة ضوء المسار الصحيح، وفلسطين هي علامة الفوز، والنصر، والرباط وبدونها لا قيمة لا لبلد ولا لأي شعب. أنها أرض الحق والايمان والعدل وكاشفة الظُلاّم والمحتلين، ومن لم يجتمع على فلسطين أبدًا هو الخاسر، فمدوا أيديكم ولا تسحبوها.

Home

 

شاهد أيضاً