تشكّل مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، نقطة تحول تاريخية ستترك أثراً عميقاً على المشهد السوري داخلياً وخارجياً. يُتوقع أن تكون هذه المرحلة شديدة التعقيد، حيث تتداخل التحديات الأمنية مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ما يتطلب إعادة بناء دولة أنهكتها الحرب لأكثر من عقد من الزمان.
بالنسبه للأبعاد الأمنية كالفراغ في السلطة ستواجه سورية خطر فراغ السلطة الذي قد يؤدي إلى تنافس قوى مختلفة لملء هذا الفراغ، بما في ذلك بقايا النظام السابق، الفصائل المعارضة، والتنظيمات المتطرفة. مثل هذه الحالة قد تعيق الاستقرار وتزيد من خطر اندلاع مواجهات داخلية، أيضاً التدخلات الإقليمية والدولية من المرجح أن تستمر القوى الإقليمية والدولية في لعب أدوار مؤثرة في تحديد مستقبل سورية السياسي والأمني. فالدول مثل روسيا، إيران، وتركيا لديها مصالح إستراتيجية داخل الأراضي السورية، ما قد يخلق صراعاً جديداً على النفوذ، إضافة الى ذلك إعادة بناء الأجهزة الأمنية تحتاج سورية إلى إصلاح شامل للأجهزة الأمنية والعسكرية، لتحويلها إلى مؤسسات وطنية تحمي البلاد. هذا الإصلاح يتطلب وقتاً طويلاً وتوافقاً سياسياً داخلياً ودعماً دولياً.
أما عن الأبعاد الاقتصادية فإعادة الإعمار تأتي بالمقدمة فقد تعرّضت البنية التحتية في سورية للدمار شبه الكامل. سيُقدّر إعادة إعمار البلاد بمئات المليارات من الدولارات، ما يتطلب دعماً دولياً واستثمارات ضخمة من الدول المانحة والمؤسسات المالية العالمية، أيضاً التحديات الاقتصادية والمعيشية ربما يواجه الشعب السوري مستويات غير مسبوقة من الفقر والبطالة.
سيكون على الحكومة المقبلة التعامل مع أزمة اقتصادية خانقة وإعادة تشغيل القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة لتأمين الاكتفاء الذاتي وفرص العمل، إضافة الى ذلك إصلاح العملة والنظام المصرفي، فتدهور قيمة الليرة السورية وأزمة القطاع المصرفي سيشكلان عقبة رئيسية أمام التعافي الاقتصادي، ما يستدعي تدخلات إصلاحية هيكلية وإعادة الثقة بالنظام المالي.
الأبعاد الاجتماعية المتمثلة بدرجة كبيرة بعودة ملايين السوريين الذين غادروا البلاد أو نزحوا داخلياً.
عودتهم ستتطلب توفير الأمن والخدمات الأساسية كالمياه، الكهرباء، والتعليم، بالإضافة إلى معالجة قضايا فقدان الملكيات وتهديم المنازل، ايضاً الانقسام المجتمعي فقد خلّفت الحرب انقسامات عميقة بين مكونات المجتمع السوري. تحقيق المصالحة الوطنية سيكون أمراً حاسماً لمنع تجدد الصراعات،
ورعاية ضحايا الحرب ستحتاج سورية إلى برامج ضخمة لرعاية جرحى الحرب والأيتام وأسر الضحايا، إضافة إلى جهود لمعالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي خلفها الصراع طويل الأمد.
إنّ سقوط نظام بشار الأسد سيُعيد تشكيل سورية على مستويات عديدة، ما يضع تحديات ضخمة أمام الشعب السوري والحكومة المقبلة. الحلول المستدامة ستتطلب توافقاً وطنياً ودعماً دولياً جاداً لإعادة بناء الدولة وضمان استقرارها.
تحقيق هذه الأهداف سيحدد مستقبل سورية كدولة موحدة، آمنة ومزدهرة أم كساحة لصراعات جديدة لا نهاية لها؟
نقلا عن “الراي”