السياسي – إسرائيل تمنع الأمم المتحدة من القيام بفحص شامل للجرائم الجنسية التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر، لأن هذا الأمر سيلزمها بالسماح للمنظمة بالتحقيق أيضاً في العنف الجنسي ضد الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل. فحص جرائم لحماس كان يمكن شمله في القائمة الأمم المتحدة السوداء، التي تضم المنظمات المشتبه فيها باستخدام العنف الجنسي في الصراعات.
هذا الفحص تريد القيام به نائبة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون العنف الجنسي في الصراعات، فارميلا باتين. وكشرط لفحص جرائم حماس، فإنها تريد من إسرائيل السماح لطاقمها بالوصول إلى منشآت الاعتقال التي يوجد فيها معتقلون فلسطينيون، لإتمام التحقيق أيضاً إذا كان جنود إسرائيليون قد تحرشوا بهم جنسياً، لكن الدولة ترفض ذلك.
وللتمكن من الوصول إلى منشآت الاعتقال، تضغط باتين على إسرائيل للتوقيع مع مكتبها على اتفاق إطار للتعاون يلزم الدولة باتخاذ عدة خطوات لمنع العنف الجنسي في النزاعات ومواجهة تداعياته بتوجيه من الأمم المتحدة. اتفاق إطار كهذا وقع في 2022 بين الأمم المتحدة وحكومة أوكرانيا، ويشمل مثلاً تعهداً بزيادة الحماية من العنف الجنسي في المنشآت التي يوجد فيها أسرى حرب.
باتن، التي زارت إسرائيل هي وطاقمها قبل سنة، نشرت في آذار السنة الماضية تقريراً يفيد بحدوث اعتداءات جنسية في هجوم حماس في 7 أكتوبر، وأنه يتم الاعتداء أيضاً على الاسرى و الاسيرات في غزة. استنتاجاتها ذكرت في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي أرسل لمجلس الأمن، حول العنف الجنسي في النزاعات. مع ذلك، امتنع غوتيريش عن تضمين حماس في قائمة المنظمات المشتبه فيها باحتمالية مرتفعة بارتكاب جرائم جنس في النزاعات، ما أثار الضجة في إسرائيل.
وأكد مكتب باتن أنها تفحص زيارة إسرائيل مرة أخرى بعد تلقيها “دعوة من السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بتقارير حول عنف جنسي ضد الفلسطينيين يتعلق بالنزاع، وبعد طلب من حكومة إسرائيل لزيارة استكمالية تتناول هجوم 7 أكتوبر وتداعيته”.
مع ذلك، يحذر مكتب باتن من أن الصعوبات التي تضعها إسرائيل أمام هيئات الأمم المتحدة وتقيد قدرتها على التحقيق في جرائم منسوبة لها ربما تؤدي إلى نتائج معاكسة للتي تريدها الحكومة. هكذا تقول ممثليات منظمات النساء في إسرائيل، التي التقت مع طاقم باتن في نيويورك الشهر الماضي. حسب أقوال ممثلات اللوبي النسوي، فقد قيل لهن أثناء اللقاء إن السياسة الرسمية الإسرائيلية قد تؤدي إلى أن تكون إسرائيل بالذات هي التي سيتم شملها في القائمة السوداء للأمم المتحدة كمسؤولة عن جرائم جنس خلال النزاع، في حين ستبقى حماس خارج القائمة. مصدر مطلع على الموضوع أكد هذه التفاصيل.
“في ظل غياب تعاون إسرائيل، فقد بقي لممثلي الأمم المتحدة التعاون فقط مع طرف واحد”، قالت للصحيفة مديرة القسم الدولي لاتحاد النساء، مايا شوكن. “الخوف أن إسرائيل هي التي ستدخل إلى القائمة السوداء للهيئات والدول التي تمارس العنف الجنسي في النزاعات، في حين أن منظمة حماس ستبقى خارج القائمة”.
البروفيسورة روت هلبرن قادري، رئيسة مركز “ريكمان” لتحسين مكانة المرأة في جامعة بار ايلان، كانت من المبادرين إلى خطوة إحضار باتن إلى إسرائيل في المرة السابقة، وهي تبذل جهدها لزيارة أخرى لها. وتؤكد أن تقرير باتن كان الاعتراف الدولي الأول والأهم بخصوص جرائم حماس الجنسية. تولت الاثنتان سابقاً مناصب رفيعة في لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد النساء. والبروفيسورة هلبرن قادري تؤكد على الجدية الكبيرة لباتن ونزاهتها.
وقالت هلبرن إنه بعد مرور سنة على زيارتها السابقة، وبعد ظهور معلومات جديدة فيما يتعلق بأحداث 7 أكتوبر وفيما يتعلق بالتنكيل بالاسرى بالمخطوفين في قطاع غزة، فإن التنازل عن فحص شامل من قبلها هو بمثابة “تنازل عن فرصة مهمة جداً لوضع سجل دولي نهائي والاعتراف بالضحايا، ناهيك عن الالتزام بإجراء تحقيق شامل حول الحقائق الجديدة لكشف الحقيقة”. وتؤكد هلبرن أيضاً أن التعاون مع باتن فرصة لإسرائيل لتثبت للأمم المتحدة بأنها تحقق بأمانة وجدية في الجرائم المنسوبة إليها، وربما يتم أيضاً استبعاد إمكانية وضع إسرائيل في القائمة السوداء للجهات المشتبه فيها بممارسة العنف الجنسي في الصراعات.
في الصيف، نشرت اللجنة تقريراً حول هجوم 7 أكتوبر تضمن إلقاء المسؤولية المباشرة عن عنف يتعلق بالنوع الاجتماعي، “في بعض الأماكن جنوبي إسرائيل”، على أعضاء حماس ومجموعات مسلحة أخرى. وأشارت اللجنة في التقرير إلى أنه لم يسمح لها بالوصول مباشرة إلى شهادات وأدلة، التي كان يمكن أن تعزز وتوسع استنتاجات اللجنة، وأن الحكومة الإسرائيلية وضعت عقبات أمامها.
إن عدم تعاون إسرائيل مع شخصيات دولية تحقق في العنف هو من الإخفاقات التي أشار إليها التقرير الذي نشره، هذا الأسبوع، لوبي النساء وتجمع توثيق التحقيق في شأن النساء والحرب – مجموعة من الباحثات اللواتي جمعن وصنفن المعلومات التي ظهرت بخصوص العنف الجنسي في 7 أكتوبر وبعده. التقرير الذي كتبه الدكتور ساري اهاروني وشيرا بربراي شاحم، ركز على الإخفاقات التي كانت قبل 7 أكتوبر، من بينها عدم تنفيذ قرارات للحكومة وقرارات للأمم المتحدة تتعلق بأمن النساء في النزاعات وفي حالات الطوارئ، وفي الإخفاقات بعد الهجوم مثل عدم تشكيل جسم سياسي شامل وله صلاحيات لتوثيق ومعالجة تداعيات العنف الجنسي في هجوم حماس. وأشار التقرير أيضاً إلى استخدام موضوع العنف الجنسي لغرض الدعاية، مع تجاهل احتياجات الضحايا.
وتحدث التقرير أيضاً عن عدم تعاون الجمهور في عملية التحقيق لكشف الحقيقة والمسؤولية عن العنف الجنسي في 7 أكتوبر. وأكد كتاب التقرير أنه “كان يمكن ويجب بعد مرور سنة على الهجوم، أن يتم نشر معلومات تتعلق بجمع الأدلة والشهادات، وجدول زمني محدد لتقديم لوائح اتهام وتقديم للمحاكمة”.
حسب أهاروني، فإن حقيقة أن الدولة والمجتمع يشخصون إلى هيئات الأمم المتحدة لإجراء تحقيقات لكشف الحقيقة، تشير إلى عمق فشل السلطات. “أين تكتب الأمم المتحدة تقارير؟ في هايتي، في السودان؟ الدول التي توجد فيها منظومة قضاء سليمة تقوم بالعمل وإجراء تحقيق ومحاكمة”، قالت للصحيفة.
مع ذلك، الحاجة إلى إجراء تحقيق مستقل لا تنفي الحاجة إلى التعاون مع الهيئات الدولية. تعود مكتب باتن على توجيه دول حول كيفية التعامل مع جرائم الجنس والتحقيق فيها. وفي الوقت نفسه، يطلب منها مقاربة مستقلة من أجل التحقيق. لهذا الغرض بالضبط، يشجع مكتب باتن الدول على التوقيع معه على إطار للتعاون. وأشارت شوكين إلى أن “التعاون بين أوكرانيا والأمم المتحدة يعطي للناجين من العنف المساعدة ورداً واعترافاً في أرجاء العالم. في المقابل، نحن نخسر هنا وهناك”.
من مكتب باتن جاء: “المكتب يفحص إمكانية إرسال بعثة في المستقبل. وإذا خرج موضوع هذه البعثة إلى حيز التنفيذ، فستتصرف وفقاً للتفويض الذي أعطي للمكتب من قبل مجلس الأمن، ولن يكون لها طابع تحقيق”. وأكد مكتب باتن أنه لا صلاحية لها للتحقيق وفقاً لقرارات مجلس الأمن.
من وزارة الخارجية جاء: “الوزارة تعمل على تنسيق زيارة فارميلا باتن إلى إسرائيل هي وطاقمها وكل الجهات الإسرائيلية ذات العلاقة. قسم المنظمات الدولية في مقر وزارة الخارجية وبعثة إسرائيل في الأمم المتحدة، يجرون اتصالات دائمة مع فارميلا باتن وطاقمها في المقر لتعريف المجتمع الدولي بجرائم حماس، بما في ذلك جرائم الجنس الفظيعة التي ارتكبت في 7 أكتوبر والتي يستمر تنفيذها. الوزارة أيضاً هي التي بادرت إلى زيارة باتن الأولى في إسرائيل بالتعاون مع المجتمع، وترى أهمية كبيرة لعمل السيدة باتن في موضوع جرائم الجنس”.
ليزا روزنبسكي
هآرتس 8/1/2025