المؤتمر الوطني السوري بين المأمول والممكن…

سمير سعيفان

كثر الحديث عن مؤتمر الحوار الوطني (السوري)، رغم أنه لم يُعلن رسمياً بعد، فقد شاع وكأنه حقيقة قائمة، وتردّد أن موعده في يومي الرابع والخامس من من يناير/ كانون الثاني الجاري، وأن عدد المدعوين 1200 مدعو، وأن لجنة استشارية ستتشكّل منه. وبدأ التساؤل عمّن دُعيَ ومّن لم يُدعَ، وبدأ التنافس بين المتنافسين، وأصبح المؤتمر حديث الشارع، ثمّ اتُّفق على أنه أُجّل، ثمّ قالوا (هذه المرّة بتردّد) أنه في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، وتبنّت بعض وكالات الأنباء هذه الإشاعة.
ذات مرّة، خرج أحدهم يتحدّث عبر وسائل التواصل أنه ناطق باسم اللجنة التحضيرية للمؤتمر، لكن لا يوجد أيّ صكّ رسمي يقول إنه كذلك (لم تُعلن اللجنة بعد). في الواقع، لم يعلن شيء رسمي، ولم يُعلَن عن أيّ لجنة، ولم تُعلَن معايير اختيار الأعضاء، ولم تُعلَن غاية المؤتمر التي يرتكز عليها مبرّر انعقاده. والأكثر أهميةً من هذا وذاك، أنه لم تُعلَن الجهة التي تدعو إلى هذا المؤتمر، ومن أين تستمدّ حقّها بعقد مؤتمر بهذه الأهمية ودعوة من تريد له وتحديد مُخرَجاته، هذا المؤتمر الذي سيمنح “شرعية وطنية” إلى حدّ ما، في محلّ “الشرعية الثورية” لسلطة الأمر الواقع، التي قامت في سورية إثر سقوط النظام. ما يجري بخصوص هذا المؤتمر لا يشذّ عن مجمل الأوضاع بعد الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، فليس ثمّة مصدر رسمي لأيّ شيء بعد، ولا يوجد منبعٌ يمكن أن تُستقَى منه الأخبار الموثوقة عن هذا المؤتمر، وعن أمور أخرى مهمّة. ففي الواقع المسؤول الوحيد الذي يُطلِق التصريحات ويُجرِي المقابلات، ويُؤخَذ كلامه على محمل الجدّ شخص واحد، قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع.
في اللقاءات المغلقة، يناقش انعقاد المؤتمر، والسلطات الجديدة لم تنفِ الخبرَ من جانبها، ولم تثبّته في نحو مُعلَن، وربّما تتعمّد الغموض، وهو أمر غير مناسب في الأوضاع الحالية، إذ يطلب الناس الشفافية الوضوح في مرحلةٍ تبدو أشياؤها الغامضة أكثر من المؤكّدة. ويبدو أن السلطات الجديدة ترى أن انتشار الخبر يخدم أغراضها، فثمّة انتقاداتٌ واسعةٌ لها بأنها تفتقد الشرعية الشعبية، والشرعية الدستورية، والشرعية الثورية لا تَمنح سُلطاتٍ كافيةً لإدارة دولةٍ ومجتمعٍ من جوانبه كافّة، وثمّة مُطالباتٌ واسعةٌ بعقد مؤتمر وطني، وثمّة مجتمع دولي (أوروبا والولايات المتحدة) يراقب، لذا فانتشار الخبر يخدم أغراض السلطات الجديدة في دمشق. وبعد انتشار الخبر أصبح النقاش والنقد يوجّه إلى غاية المؤتمر وأسس التمثيل فيه ومُخرَجاته، وهي جميعها غير واضحة.

حلم سوري
ليس المؤتمر إشاعةً، فثمّة قرار بعقده، ولكن لم تُحدَّد أيّ من مستلزماته، بدءاً من تحديد تاريخ انعقاده، وانتهاءً بمُخرَجاته، مروراً ببرنامجه وتنظيمه وطبيعة المدعوين وصفاتهم ومعايير اختيارهم. وللسلطة الجديدة غاية في فتح هذا النقاش العام غير المنظّم، وغير الرسمي، حول المؤتمر وقبل انعقاده، فهو يكشف الاتجاهات العامّة، ويضع كثيراً من الفِكَر والمقترحات على الطاولة، فيساعد السلطات الجديدة في التوفيق، إلى حدّ ما، بين المؤتمر، الذي تريده خدمةً لغاياتها منه، ومُطالبات السوريين بأن يكون مؤتمراً وطنياً حقيقياً تنتج منه مُخرَجات تاريخية، وقد بدأ بعضُهم يتذكّر المؤتمر السوري الأول (مارس/ آذار 1920)، وبالتالي تكييف المؤتمر على النحو الذي يلائم بعض المطالب (غير الجوهرية)، التي تطرحها الفئات المُعترِضة، التي تجعل المؤتمر ومُخرَجاته أكثر قبولاً محلّياً ودولياً.
ثمّة مسافة بين ما يحلم به السوريون بانعقاد مؤتمر وطني حقيقي يحقّق تمثيلاً وطنياً شعبياً ومجتمعياً حقيقياً وواسعاً، ويجتهد كثيرون في اقتراح أسس الاختيار والتمثيل المثالي لاختيار المندوبين وتحديد غايته ومُخرَجاته، بأن يكون مؤتمراً يمنح مشروعيةً حقيقيةً للسلطة الجديدة، ويضع قيوداً عليها، وآليةً رقابيةً، وقدرةً على المحاسبة، وأن يخرُج منه نوعٌ من هيئة حكم انتقالي مثلاً، وإعلانٌ دستوريٌّ مؤقّت ينصّ على نظام سياسي ديمقراطي يقوم على تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع في مناخات من الحرّيات العامّة في التنظيم والتعبير والاعتقاد، وحقوق الإنسان المواطنة المتساوية… إلخ. وبين ما تفكّر به السلطة الجديدة المسكونة بهاجس أمني وبإغراءات استمرار القبض على السلطة التي سقطت بين أيديها من حيث لا تحتسب، بأن يكون مؤتمراً يُبارك لها إنجازها ويمنحها الشرعية الدستورية بعد الشرعية الثورية التي حازتها بالاستيلاء على السلطة، ولا يضع عليها أيَّ قيودٍ أو يفرض عليها أيّ التزامات، ويمنحها شرعيةً مريحةً داخليةً ودوليةً تستعملها أربع سنوت مقبلة، فتُرتِّب الأوضاع بطريقة جيّدة خلالها، حتى تكسب الانتخابات بسهولة.
لن نطرح السؤال لمن ستكون الغلبة من الاتجاهَين، فميزان القوى قد حسم الجواب سلفاً، رغم أنه قد يُغري السلطاتِ الجديدةَ عقدُ مؤتمر وطني شكلي، يُنتقَى معظم أعضائه من أفراد موالين، وتكون نتائجه مسبقة الصنع. سيكون انعقاده سهلاً ومريحاً ومضمون النتائج، ولكنّه سيجلب فيما بعد متاعب كثيرة، بينما عقد مؤتمر وطني أقرب إلى الحقيقي (الحقيقي غير واقعي الآن) سيكون أمراً مُتعباً الآن، ولكنّه سينتج كثيراً من الراحة فيما بعد، وهو يصبّ في مصلحة استقرار الأوضاع على المدى القريب والمتوسّط.

الواقعي والممكن
ضمن توازنات الممكن، وأخذاً بالاعتبار ضغوط الحاضر التي تتعرّض لها السلطات الجديدة، وضرورة عقد مؤتمر وطني، يمكن القيام بالتالي:

1- أن يصدر قرار مُعلَن من أحمد الشرع، باعتباره قائد العمليات العسكرية، ومسماه قائد الإدارة السياسية الجديدة، بعقد مؤتمر وطني يُحدِّد غايته والموضوعات التي سيناقشها، وتُتَّخذ قرارات بشأنها، وأن يُحدِّد تاريخَه ومدّةَ انعقاده، ويفضّل أن يكون في منتصف مارس/ آذار لمنح فسحة للتحضير الجيّد.
2- أن يصدر قرارٌ مُعلنٌ من أحمد الشرع بتشكيل لجنة للتحضير للمؤتمر وإدارته، ويجب أن يجمع أعضاؤها بين السياسيين والتقنيين، ومن يعرفون سورية جيّداً.
3- أن تُفتَح صفحات في وسائل التواصل الاجتماعي للجنة، لنشر ما يتعلّق بالمؤتمر، فتكون مصدراً موثوقاً للأخبار الصحيحة.
4- أن تتّفق اللجنة مع شركة متخصّصة بتنظيم المؤتمرات لتولي الجوانب اللوجستية في عقد المؤتمر.
5- أن تضع اللجنة معاييرَ لمن سيُدعَون إلى المؤتمر، فيكون التمثيل شاملاً لمكوّنات المجتمع السوري وتوجّهاته وفئاته في مناطقه كافّة، بما فيها منطقة شرق الفرات. من ذلك ممثلو المهن العلمية، بدعوة خمسةٍ من كلّ نقابة (حتى لو بصفاتهم الشخصية)؛ ودعوة 50 من نقابات الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والمحامين والقضاة والمعلمين والفنانين، بصفاتهم الشخصية. كما يدعى بصفاتهم الشخصية: 25 من نقابة الحرفيين، و50 من نقابات العمّال، و50 من شيوخ العشائر، و50 رجلَ أعمال، و75 من رجال الدين من مختلف الأديان والمذاهب، و75 عسكرياً من الفصائل ومن ضّباط منشقّين، 75 شخصية مجتمعية من كتاب وأدباء ومثقّفين وفنانين ورياضيين.
6- يراعى تمثيل مكوّنات المجتمع السوري من عرب سنّة وكرد ومسيحيين بطوائفهم، وعلويين وتركمان ودروز وإسماعيليين وأيزيديين ومرشديين وأرمن وغيرهم.
7- يُراعى تمثيل الشباب بين الأعضاء بنسبة 50% دون 45 سنة، وتمثيل المرأة بنسبة 30%.
ثامناً، أن يمتد المؤتمر ثلاثة أيّام على الأقل، وأن يدعم بلجان فنّية ومختصة. ويمكن تقسيم المؤتمر بين جلسات عمومية مشتركة، وأن يقسّم بين مجموعات عمل.

 

مُخرَجات المؤتمر
تُحدد مُخرَجات المؤتمر على النحو التالي (وبما يعني برنامجاً للمرحلة الانتقالية):
1- إعلان التمسّك بوحدة سورية أرضاً وشعباً.
2- إعلان الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.
3- تحديد المرحلة الانتقالية بثلاث سنوات.
4- تسمية شخصية سورية مكلّفاً برئاسة الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية.
5- إعلان حلّ مجلس الشعب الحالي.
6- إعلان إيقاف العمل بالدستور الحالي.
7- انتخاب لجنة لوضع إعلان دستوري مؤقّت، ويفضّل أن تُعدّ مسودّة الإعلان قبل المؤتمر وتوزع على المؤتمرين.
8- إلغاء العمل بالقوانين الاستثنائية وبالمحاكم الاستثنائية.
9- إعلان استقالة حكومة تسيير الأعمال وتكليف أحمد الشرع باختيار من يكلّفه تشكيل وزارة جديدة خلال أسبوع من انعقاد هذا المؤتمر.
10- إعلان حلّ الفصائل وتكايف أحمد الشرع تشكيل مجلس عسكري لجيش وطني، وتحديد الأسس والشروط.
11- قرار بتكليف أحمد الشرع بتشكيل مجلسٍ للعدالة الانتقالية والسلم الأهلي، وتحديد الأسس والشروط.
12- قرار بتكليف أحمد الشرع بتشكيل مجلسٍ لعودة النازحين واللاجئين وتحديد الأسس والشروط.
13- قرار بتكليف أحمد الشرع بتشكيل مجلسٍ لإعادة الإعمار وتحديد الأسس والشروط.
14- وضع الأسس والمعايير لتشكيل جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد للبلاد قبل سنة من انتهاء المرحلة الانتقالية، وأن تُستكمَل إجراءات مناقشة مسوّدة الدستور وإجراء انتخابات عامة، وفق قانون الانتخابات، الذي سيوضع في حينه. وسيكون إجراء تلك الانتخابات وتشكيل السلطات الجديدة على أساسها إيذاناً بانتهاء المرحلة الانتقالية.
خاتمة
ينتخب المجلس مكتباً تنفيذيّاً من 25 عضواً يتابع تنفيذ قراراته، ويعمل بمثابة مجلسٍ استشاريٍّ للرئاسة وللوزارة الجديدتَين.
قد لا يكون هذا المؤتمر (بهذا الشكل) مثالياً تماماً، ولكن ربّما هو أفضل ما يمكن تحقيقه في الظرف الراهن.

عن العربي الجديد

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً