أرجو ألا نعود لفكرة أو وهم الفوز أو الانتصار مقابل الفشل أو الهزيمة بحيث يعتبر كل طرف أنه انتصر أوأوقع الهزيمة الساحقة الماحقة بالآخر؟! فما هكذا تقاس الأمور ولو كانت هكذا لكانت احتفالات (الانتصار) تعمّ الشوارع والميادين بصخب، فيما الحاصل هو الاحتفالات بتنفس الهواء النقي، ووقف انهمار كل أشكال العذاب والمصيبة والطير الأبابيل التي طالت رؤوس الناس لفاشية الأمريكي-الصهيوني من جهة، ولغلواء السياسي الفلسطيني المنتحر بشعبه الذي يأبى أن يُحاسب نفسه، أو ينتقد فشلها أو حتى يراجعها تحت ادعاءات ما أنزل الله بها من سلطان خلفت مصائب ودمارًا بالبلاد والعباد لم نرى له مثيل منذ النكبة الاولى عام 1948.
السياسي الفلسطيني المنتحر بشعبه متى ما هُزم أو تراجع-دون أن يعترف قط بالهزيمة أو التراجع-فهو ابتلاء من الله للفئة الغالبة!؟ اوالناجية أو المنصورة؟! ورفع عقيرته بالصوت مستنجدًا كما زال يفعل مثيله الذي أدبته الثورة المصرية، دون الاأمة. ومتى تمكّن او افترض أنه (انتصر) يرفع سيف الشيطان على رقبة عباد الله أجمعين، كما حصل في انقلاب عام 2007 في غزة فيما أسموه “الحسم العسكري” ضد اخوانهم!
ماذا لو كان لدى السياسي العازف عن شعبه شيء من البصيرة والعقل، وكثير من النقد والتفكر في الاختلال الفظيع بالقوى حيث فرط القوة الأمريكية-الصهيونية في مواجهة جسد الفلسطيني الغضّ الذي تخلى عنه العربي بما فيه الممانع أو المقاوم؟! وماذا لوأعمل السياسي (المنتصر) بغرروه وكِبره الحزبي، جزء من عقله المعطّل مقابل آلة الحرب العسكرية، والإعلامية التضليلية التي خاضتها قناة الفتنة ومشغّليها على أجساد أطفال ونساء ورجال فلسطين ولبنان! وماذا كانت النتيجة لو قتل التهييج المبرمج (وتكبير الرأس)، وأمسك عن العواطف المؤدلجة، وتحلّى بعظمة الاعتراف لشعبه مقرًّا بسوء المآل، متخذًا سبيل الحكمة!؟
مرة أخرى يعود “نتنياهو” المحارب الأبدي سليل القبضة الحديدية ل”جابوتنسكي” وأشياعه ليعلن انتصاره على أبناء فلسطين بغزة والضفة، وكل مكان.
إن “نتنياهو” يحقق التقدم فعليًا على الأجساد وتحويل المدنية في فلسطين الى ركام، وهو يعلن انتصاره بكشف اتجاهات الكيان نحو تعميق صِفة نظامه الفاشي والإرهابي والعنصري بلا شك، ويتشدّد كلما اقترب حبل المشنقة حول عنقه سواء من الجنائية الدولية أو عبر قضايا الفساد التي تحيط به، ليعلن انتصاره الأعظم على الشعب العربي الفلسطيني،لاسيما والدمار يطالُ أرض فلسطين بالضفة الغربية بزرع مزيد من المستعمرات والقتل، وفي القطاع المُباد بشكل فاق مجزرة “درسدن” في ألمانيا، وغيرها بالحرب الأوربية (العالمية) الثانية.
من المقلب الآخر تطير برقيات الاحتفال بالانتصار المرّ لتمر من تحت أرجل أطفال غزة، ومعاقيها وجرحاها بالآلاف، وبأغفال من شعبها الصامد البطل المعطاء الذي أبى الهجرة كما أبى الزوال وأخوانه بالضفة، فهم حققوا بالثبات والصمود حقيقة انتصارهم، فيما الذين باغتتهم النتائج أو أبوا أن يفهموا الحقائق يحلمون أن يعترف لهم أحد بانتصار عبر اتفاق هزيل يأملون أن يراه المخالفون كذلك!
استنجد فصيل “حماس” كافة الفصائل أن توافقها على الصفقة المنفردة كما قرار الطوفان، وكل قرارات التفرد والحرص على الموقع بالقطاع منذ الانقلاب، محاولة أن تشركهم في دم أبناء غزة التي ذهبت هدرًا فلم تلقَ الاستجابة المطلوبة، وحاولت أن تضع أرجل كافة الفصائل (في الفلقة) كي لا تظل هي فقط من يتلقى اللوم لما حصل من نتيجة مدمرة غير متناسبة قط مع أهداف الحدث الأول التي لم تتحقق!
إن الدمار الذي أوقعته بالطبع آلة الحرب الأمريكية-الصهيونية قد حصل بعنف عز نظيره! وسيستمر، ولكنه حصل أيضًا بعمى سياسي قيادي كان يجب أن يكون مبصرًا منذ الشهر الأول على الأقل من العدوان إن لم نقل منذ الأسبوع الأول أي بعدما وضح للأعمى قبل البصير أن العدوان -الذي أوهموا الناس أنها (الحرب) في تحايل وكأن الحاصل بين جيشين متساووين!؟ بالإضافة لايهامات قناة الجزيرة المتساوقة مع الطرح- هو عدوان امريكي (وغربي متساوق) بامتياز ضد فلسطين. عبر تدمير أرض فلسطين بدءًا من غزة وشعبها الصابر المرابط وصولًا للدمار الذي طال المحيط بالضفة، ثم في سوريا ولبنان.
كان انتصار نتنياهو لا مثيل له في انتصارات العالم فلقد انتصر على معارضيه بلا شك، وأدام حرب إبادة سطّرت اسمه كرجل الإبادة الأول بالتاريخ الحديث بتوقيع محكمة العدل الدولية، وكان انتصاره فاقعًا بعد أن تم اقرار ملاحقته وزبانيته من قبل الجنائية الدولية وبطلب من القيادة الفلسطينية، فأي انتصار هذا يكون فيه المنتصر موصوم بالإبادة وملاحق من العالم جنائيًا؟! ولم يتقبله القضاء الإسرائيلي فمازال متهمًا تحت سقف المحكمة وينتظره الكثير من أصدقائه وخصومه بالأحزاب الصهيونية.
أهداف نتنياهو الواضحة من الصفقة-كما من العدوان- الإبقاء على القسمة بين الضفة وغزة ما يمكنه بأي مرحلة من قبول “حماس” المدجّنة أو ما تبقى منها (حماس حقيبة العمادي، ولجنة الضبط الميداني، ورفض المصالحة مع حركة فتح أو قبول منظمة التحريرالفلسطينية) المهم لادولة فلسطينية في قاموسه، وربما تكون غزة فقط هي الدولة أو الإمارة أوالامبراطورية! والثاني هو استمرار القتل والقضاء على المقدرات الفلسطينية سواء العسكرية أو المدنية، أو الاجتماعية والرواية، وتواصل زرع مزيد من المستعمرات والمستعمرين، والثالث هو التفرغ لتدمير الضفة وتهيئة الأجواء للتهجير، وضرب إيران، بعد أن أخضع دول الجوار.
في الإطار العربي وعلى إثر المباغتة الأولى اتحدت الأمة ضد العمل العسكري، فلم تقبل دولة واحدة حتى من تسمّت بدول “الممانعة والمقاومة” أن تعمل عملًا عسكريا مباشرًا، فلم يفهم السياسي المنتحر بشعبه المعادلة، كما لم يفهمها بعدما هبّت أمريكا فتموضعت بالبحر المتوسط، والجسر الجوي المحمّل بسلاح لا ينضب! فوقعت أعظم المصائب على رأس الشعب الفلسطيني المنكوب بقلة وعي بعض قادته!
كانت سوريا “درع المقاومة والممانعة” فنأت بنفسها عن الحرب والعدوان كالعادة، الى أن جاءتها المباغتة بانهيار النظام، وتكلّست مفاصل إيران بعد دمار مباغتة حماس والطوفان الذي لحق بها من ذراعها الضارب، وتلاشى دورالحزب العربي وهو العربي الوحيد الذي وقف بما يستطيع مع فلسطين تحت وطأة ضربات الامريكي-الصهيوني ففهم المعادلة وإن متأخرًا، وفك الارتباط بما كان يسمى “وحدة الساحات” فتنفس لبنان، وأثبت الحزب أخيرًا ولاءه للدولة، وليس لإيران على عكس ما تناور “حماس” حتى اللحظة بفعله برفضها المطلق لدولة فلسطين التي لم يرد ذكرها ولا غيرها لا في ورقة الصفقة، ولا في المعلن ولا المخفي من الأوراق، والحوارات مع حركة فتح.
(أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها، قلتم أنى هذا! قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير(آل عمران-165)، نعم من عند أنفسكم، ولينتصر من يشاء على ما يشاء، فهذه المصطلحات لا تهم الشعب العربي الفلسطيني في شيء، وما يهمه هو أن تكف آلة الحرب الأمريكية- الصهيونية عن الدوران، وسيظل ثابتًا مرابطًا صامدًا بوعيه الذي يتفوق على قيادته في كل مرة.