حين يصبح النزوح هو القاعدة، تصبح العودة وإن كانت إلى الأنقاض، حضنا دافئا على واقعٍ أراد لهم أن يفقدوا كل شيء.
هكذا هم سكان قطاع غزة، الذين أبصروا النور أمس الأحد، مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد 471 يوما من الحرب الإسرائيلية.
وحتى قبل أن يدخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ، بدأ الفلسطينيون في قطاع غزة المدمر بالعودة إلى بقايا منازلهم. بحسب ما رصده موقع “العين الإخبارية” الاماراتي
🟨 شوفو الانتصارات … طوفان السنوار pic.twitter.com/KtESWsyUw9
— شبكة يافا الإخبارية (@yaffa_ps) January 19, 2025
ذكريات تحت الأنقاض
ماجدة أبو جراد، سارعت إلى تعبئة محتويات مسكن عائلتها المؤقت في مدينة الخيام المترامية الأطراف في منطقة المواصي، جنوبي قطاع غزة
في بداية الحرب، اضطرت ماجدة وعائلتها إلى الفرار من منزلهم في بلدة بيت حانون شمال غزة، حيث اعتادوا التجمع حول طاولة المطبخ أو على السطح في أمسيات الصيف وسط رائحة الورود والياسمين.
لكن المنزل الذي كانت تحمله تلك الذكريات الجميلة، اختفى، وعلى مدار العام الماضي، سارت أبو جراد وزوجها وبناتها الست على طول قطاع غزة، في أعقاب أمر إخلاء تلو الآخر من قبل الجيش الإسرائيلي.
وقالت لوكالة أسوشيتد برس، إنهم فروا سبع مرات، وفي كل مرة أصبحت حياتهم غير مألوفة بالنسبة لهم مع ازدحامهم مع غرباء ينامون في فصول دراسية بالمدرسة، أو يبحثون عن الماء في مخيم خيام واسع أو ينامون في الشارع.
الآن تستعد الأسرة لبدء رحلة العودة إلى المنزل – أو إلى ما تبقى منه – والالتقاء بأقاربهم الذين بقوا في الشمال.
تقول أبو جراد: “بمجرد أن أعلنوا أن الهدنة ستبدأ يوم الأحد، بدأنا في حزم حقائبنا وتحديد ما سنأخذه، غير مبالين بأننا سنظل نعيش في الخيام”.
واندلعت الحرب في قطاع غزة عندما شنّت حركة حماس هجوما مباغتا على بلدات إسرائيلية أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وخطف حوالي 250 شخصا.
وأسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 46 ألف فلسطيني، وتدمير مساحات كبيرة من غزة، ونزوح 1.9 مليون من سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
سير بين الحطام
حتى قبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ رسميا – ومع استمرار قصف الدبابات طوال الليل وحتى الصباح – بدأ العديد من الفلسطينيين في السير عبر الحطام للوصول إلى منازلهم، بعضهم سيرا على الأقدام والبعض الآخر يجرون أمتعتهم على عربات تجرها الحمير.
محمد مهدي، النازح الفلسطيني والأب لطفلين، اضطر إلى ترك منزله المكون من ثلاثة طوابق في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة قبل بضعة أشهر.
تمكن مهدي من الوصول إلى منزله صباح الأحد، سيرا وسط الأنقاض من غرب غزة. وقال “إنهم يعودون لاستعادة أحبائهم من تحت الأنقاض”.
وعلى الرغم من حجم الدمار الهائل والآفاق غير المؤكدة لإعادة الإعمار، أضاف “الناس كانوا يحتفلون. لقد بدأوا في تنظيف الشوارع وإزالة أنقاض منازلهم. إنها لحظة انتظروها لمدة 15 شهرا”
جثث في العراء
أم صابر، أرملة تبلغ من العمر 48 عامًا وأم لستة أطفال، هي الأخرى، عادت إلى مسقط رأسها بيت لاهيا في شمال قطاع غزة.
طلبت أن يتم التعريف بها فقط بكنيتها الشرفية، أي “أم صابر”، من أجل مخاوف تتعلق بالسلامة.
وفي حديثها عبر الهاتف، قالت إن عائلتها عثرت على جثث في الشارع أثناء عودتهم إلى المنزل، ويبدو أن بعضها كان ملقى في العراء لأسابيع.
ولفتت إلى أنهم عندما وصلوا إلى بيت لاهيا، وجدوا منزلهم ومعظم المنطقة المحيطة به قد تحول إلى أنقاض.
بدأت بعض العائلات على الفور في الحفر بين الأنقاض بحثا عن أحبائهم المفقودين. وبدأ آخرون في محاولة تطهير المناطق حيث يمكنهم إقامة الخيام.
مستشفى مدمر
وأشارت أم صابر إلى أنها وجدت أيضا مستشفى كمال عدوان في المنطقة “مدمرا بالكامل”.
غير أن المكان “لم يعد مستشفى على الإطلاق. لقد دمروا كل شيء”.
وفي مدينة رفح جنوب غزة، عاد السكان ليجدوا دمارا هائلا في جميع أنحاء المدينة التي كانت ذات يوم مركزا للعائلات النازحة الهاربة من القصف الإسرائيلي في أماكن أخرى. ووجد البعض بقايا بشرية وسط أنقاض المنازل والشوارع.
مشهد لا يوصف
وقال محمد أبو طه، أحد سكان رفح، لوكالة أسوشيتد برس بينما كان هو وشقيقه يتفقدان منزل عائلته: “إنه مشهد لا يوصف. إنه مثل ما تراه في فيلم رعب في هوليوود”. “منازل مدمرة وبقايا بشرية وجماجم وأجزاء أخرى من الجسم في الشارع وفي الأنقاض”.
كما شارك لقطات لأكوام من الأنقاض قال إنها كانت منزل عائلته. “أريد أن أعرف كيف دمروا منزلنا”.
وتأتي عودة العائلات إلى منازلها وسط حالة من عدم اليقين بشأن ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار سيجلب أكثر من مجرد وقف مؤقت للقتال، ومن سيحكم الجيب وكيف سيتم إعادة بنائه.
وقالت الأمم المتحدة إن إعادة الإعمار قد تستغرق أكثر من 350 عامًا إذا ظلت غزة تحت الحصار الإسرائيلي.
وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية، قدرت الأمم المتحدة الشهر الماضي أن 69٪ من المباني في غزة تضررت أو دمرت، بما في ذلك أكثر من 245 ألف منزل. ومع وجود أكثر من 100 شاحنة تعمل بدوام كامل، فإن الأمر سيستغرق أكثر من 15 عامًا لإزالة الأنقاض.
ولكن بالنسبة للعديد من الأسر، فإن الإغاثة الفورية تغلبت على المخاوف بشأن المستقبل.
ومع أن ماجدة أبو جرار ستبقى في الخيمة في الوقت الحالي، إلا أن الفرق الآن هو “أن النزيف سيتوقف والخوف سيتوقف وستنام مطمئنة مع عائلتها”.