اليوم التالي: كشف حساب سريع! #البحرين

فوزية رشيد

{ مشهد اليوم الأول لتنفيذ الاتفاق بين حماس والكيان الصهيوني، كان مشهداً فيه الكثير من المفارقات، سواء من خلال توجه أهل غزة إلى مدنهم المدمرة وبخطاب ( العودة إلى بيوتنا ) ولا أحد يعرف كيف ستكون تلك العودة والركام والأنقاض يملآن كل مكان ! أو من خلال تلك الفرحة العارمة التي غطت وجوه الأطفال والنساء والأهالي جميعاً بوقف النار، وهم لا يفكرون فيما بعد ذلك، فالأمر بالنسبة لهم أن الهدنة بدأت وتوكلهم على الله هو ما يملأ قلوبهم لما سيحدث لاحقاً .

المشهد مختلط وعناصر من حماس محاطة بالمئات إن لم يكن الآلاف يوم الأحد الماضي، يشرفون على تسليم الرهائن الثلاث، مقابل الإفراج مساء عن فلسطينيين أسرى أو مختطفين أو معتقلين يبلغ عددهم أقل من المائة في اليوم الأول، وأصرت قيادات الكيان على عدم تصوير الرهائن الثلاث عند الاستلام، وكان خوف الصورة يلاحقها منذ اتفاق تبادل الأسرى الأول بعد فترة من حربها على غزة، خاصة أن الكيان لم يحقق أهدافه المعلنة !

{ كل ذلك لا يهم كثيراً في المعطى الاستراتيجي، بقدر أهميته الآتية، لأن التفكير في اليوم التالي وبما يخص ( وقف الحرب نهائيا ) هو الأهم، والأهم منه هو كيفية التعاطي مع حل القضية الفلسطينية ونشر السلام والاستقرار في فلسطين والمنطقة العربية، وهو ما يقلق الجميع خاصة في ظل تصريحات الكيان الصهيوني باستمرار الحرب بعد الاتفاق، وحيث بإمكان الكيان أن يختلق أي ذريعة لذلك الاستمرار، خاصة مع فشله في القضاء على « حماس » وفي التطهير العرقي بشكل كامل، وتهجير أهالي غزة بل والضفة كما كان يطمح إلى جعل فلسطين بشكل كامل خاضعة لليهود واعتبارها دولة يهودية تسعى بعدها لتحقيق مشروعها التوسعي !

{ في كشف حساب سريع، فإن الجانبين الفلسطيني وصهاينة الكيان بحاجة إلى وقفة نقدية جادة للذات ! فالجانب الفلسطيني وبعد ما أحدثته حرب الإبادة والمعاناة غير المتخيلة للشعب الفلسطيني في غرة، آن الأوان لقادتها ومثقفيها وسياسييها أن يدركوا أن ( وحدة الصفوف الفلسطينية ) لم يعد ترفاً كما يعتقد بعضهم، بل هو ضرورة ملحة، خاصة في مواجهة كيان صهيوني محتل يريد إنهاء القضية الفلسطينية، والقضاء على الفلسطينيين داخل فلسطين، سواء كانوا من المقاومة – وحماس مجرد فصيل واحد فيها – أو كانوا من السلطة في الضفة ! الكيان لا يريد أي مقاومة من أي توجه كان، مثلما لا يريد سلطة فلسطينية حقيقية لأنه بالأساس لا يريد قيام دولة فلسطينية ! ولا يريد إعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل يريد القضاء الكامل على القضية والواقفين خلفها !

ولذلك فإن شرط التوحد الفلسطيني هو شرط بقاء ووجود !

{ ومن جانب آخر فإن أي مقاومة فلسطينية وطنية تعمل على تحرير الأرض ومواجهة الكيان المحتل، مطالبة في ذات الوقت بأن تكون أجندتها وطنية خالصة، من دون الوقوع في شرك مقاومة المحتل الصهيوني، بدعم دولة ذات أجندة هي الأخرى باستغلال القضية الفلسطينية والمتاجرة بها، ودعم مقاومتها لمصالحها الخاصة ونفوذها على المستوى الإقليمي !

ومعروف عن ماذا وعمن نتحدث هنا ! وعليه، فإن كل القيادات والفصائل الفلسطينية أكثر ما تكون اليوم بحاجة إليه هو « رؤية فلسطينية استراتيجية » جديدة تحت عنوان « منظمة التحرير الفلسطينية » التي يعترف بها الجميع كممثل شرعي للقضية الفلسطينية، وما على الفصائل إلا أن تتوحد خلفها، وتنتهي من حالة الانقسام الخطير الذي لا يليق بمعاناة الشعب الفلسطيني منذ 1948 وهي معاناة كبيرة واستثنائية !

{ أما الجانب الصهيوني المتمثل في الكيان ومتطرفيه والصهيونية الدينية، فإن اليوم التالي الذي تخطط له بنصب المكائد والأفخاخ والعودة إلى حرب الإبادة التي استمرت 15 شهراً عليها أن تنظر بواقعية الى خسائرها أيضا وهي كثيرة وأهمها على المستوى الأخلاقي والإنساني والقانوني دولياً، إلى جانب ركام خسائرها المادية في الاقتصاد والعمل والهجرة المضادة للصهاينة لديها، واستنزاف جيشها وانخفاض معنويات جنودها، رغم كل الدعم الغربي المترف الذي حظيت به عسكريا ولوجستيا ومشاركة في حربها الهمجية !

{ على هذا الكيان اللقيط أن يدرك أن المقاومة وكما قال قادة غربيون بأنفسهم هي فكرة لا يمكن القضاء عليها ! ونضيف أنه طالما هناك احتلال فهناك مقاومة حتى لو قضى الكيان كما يتصور على « حماس » بشكل نهائي ! فالقصة أكبر وأبعد من « حماس » طالما احتلالها مستمر، وطالما تطرفها وإرهابها ضد الشعب الفلسطيني مستمر، وطالما هذا الشعب باق ومتجدد في نضاله من أجل حريته واستعادة أرضه وحقوقه، وقد جرب الكيان خلال 470 يوماً على أشكال الإبادة والتطهير والتهجير، وآن له أن يعترف أنه فشل ! وأن لا حل له ولا لوجوده حتى المؤقت أو المرحلي، إلا بالرضوخ لمتطلبات السلام وحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً ! ومهما صال وجال وتلقى الدعم من أقوى دول العالم وبشكل كامل، فإن التاريخ سجل منذ زمن بعيد، أن إرادة الشعوب هي التي تنتصر في النهاية ! وقد جربت الولايات المتحدة ذلك في فيتنام وأكثر من مكان ! كما جرب الغرب الاستعماري ذلك في الدول التي استعمروها !

الشعب الفلسطيني صاحب أكثر قضية عادلة في العالم، ومصر على نيل حريته وحقوقه، مهما مورس ضده من أساليب القمع والوحشية وحتى الإبادة، وهذا ما رآه العالم كله ! وعلى هذا الكيان المزروع أن يعترف بذلك !

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً