في نهاية النهايات، تشكلت حكومة العهد الجديد: رئيس مغوار عسكري، همه الأساس الحفاظ على لبنان، وقاض من قضاة العالم، معروف بنزاهته ووطنيته وعروبته. تشكيلة عالية من الناس الوطنيين، الذين غلب عليهم جميعهم العلم والشهادات الاكاديمية والمعرفة، وغابت عنهم الزبانية والمذهبية والمحاصصة الطائفية.
حكومة نصفها من فريق الشهيد رفيق الحريري، الذي كان يلهث وراء الاختصاصيين والأكاديميين، اصحاب العقول النظيفة والكفوف البيضاء.
بالرغم من محاربتها بشتى الوسائل، عن طريق الأبواق الصفراء، لكنها تشكلت بفضل حكمة الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، وشعارهما المبدئي اليد ممدودة للآخرين، وليس لفرض الطلبات والحصص لغير أصحاب الكفاءة.
ان التصريحات العلنية من هؤلاء “الزجالين” بانهم اصحاب الفضل بوصوله، ليس لها مكان في أجندته الشخصية والمهنية، يمكن القول بان سلام رجل علم وحكمة وعنيد، ومن اطلع على سير عمله طوال فترة الشهر الماضي للتكليف، يرى قوته الهادئة ورؤيته المستقبلية.
في التشكيلة الوزارية، انتجت خمس نجمات من العنصر النسائي، المميز في دورهن وشهادتهن وخبراتهن ،حيث يمكن القول بان تشكيل هذه الحكومة، سيكون لبنان وشعبه، هو الرابح الاكبر أما الخاسرون فهم كثر جدا ابتداء من “التيار الوطني” الذي خرج من الحكومة خاسرا بعد عشرين عاما من البهورة والعنجهية السياسية.
“تيار المردة” الذي كان موعودا بالرئاسة الاولى للبلاد، خرج من “المولد بلا حمص، اما “حزب الطاشناق”، الذي كان يشكل نقطة ارتكاز للممانعة، فوزيرته اليوم مقربة من رئاسة الجمهورية اكثر من أحزاب الممانعة .
لقد خرج “حزب الله” من الحكومة بالمضمون، بالرغم من تسميته للوزيرين راكان نصر الدين الطبيب الجراح في الجامعة الامريكية، وحامل الجنسية الامريكية ، وايضا الوزير محمد حيدر الوزير المستشار لوزارات وللوزارة سابقا، هما بالصورة محسوبين على “الثنائي” لكنهما خارج القدرات التأثيرية للحزب، وخرج النواب السنة الذين كان يحاولون السطو على سلام، بانهم “أهل الصبي”، فغاب توزير وزراء لمصلحة المتهمين بتجارة الممنوعات، حيث أثبت التقرير الاستقصائي لصحيفة “الإيكونوميست” البريطانية، الواضحة لجهة تسمية الأشياء بأسمائها بخصوص التهريب. لقد رفض الرئيس سلام الاطلاع على تسميات متورطين اصحابها بالفساد والرشوة، كماالجهل والامية، بالأحرى، رفض اعطاء التوزير لمهربين تحت شعار حقوق المناطق والطوائف؟
بخصوص د.فادي مكي، الوزير الذي كان بمثابة “الملك” هو مستشار سابق اقتصادي للرئيس رفيق الحريري، هو خارج عن المتحالف مع “الثنائي الشيعي”.
اما وجود الوزير ياسين جابر في وزارة المالية، لا يغير البوصلة، فهو رجل مال، يهمه المحافظة على نفسه وعلى مساره، مع العلم بان جابر منع من الانتخابات في دورة العام 2018 وفي العام 2022، بالاضافة الى حديثه عن الحزب المنشور في “وكيليكس” وتم احراق منزله في النبطية.
الرئيس سلام قضى على عرف الثلث المعطل، ومنع التزوير لشخصيات تستخدم الوزارة، للاطلالات على الناس، ومنع توزير النواب من اجل منحهم القدرة على شراء الذمم الانتخابية، هو الرئيس الأول الذي قال لا لسياسيين من أربعين سنة، حيث كانوا يطلبون ولا يفرضون.
خرج الرئيس نجيب الميقاتي من حلبة الصراع، ولن يخرج سياسيا من السياسة اللبنانية ،اذا لم يكن مصيره مرتبط بالملاحقات القانونية، بالعديد من الملفات وأهمها التورط التجاري مع آل الاسد.
لقد اسقط سلام اتفاق الدوحة وكل مبرراته، التي فرضها “حزب الله” آنداك على لبنان بسلاحه، واصبح عرفا يحاول العمل عليه، ايضا سيكون البيان الوزاري مختلفا كليا، هو مقدمة الطائف، هذا يعني بانها حكومة لمياء المبيض، شاء من شاء وابى من ابى. بمعنى اصح، سقطت الشيعية السياسية، بكل معنى للكلمة، والخروج من باب الخلفي للقصر، يشير الى ذلك بكل وضوح.
شهد الجميع على هذه الحرب الضروس، التي خيضت، من ابواق اعلامية وسياسية وحزبية ومالية ومصرفية ضد الرئيس سلام لانهم يعرفونه جيدا، هو رجل دولة وقانون وقاض ، لا تنفع معه المساومات نهائيا، بسبب كفه النظيف وقدرته القانونية، وثباته الصلب، التي اظهرته تجربته القصيرة في التشكيل.
اذن على الجميع قراءة التغيرات الجيوسياسية في المنطقة بطريقة جديدة ،ومختلفة عن الماضي، وعدم الربط بين المصالح الضيقة لبعض الابواق السياسية والإعلامية، التي لا يهمها سوى مصالحها الضيقة، وليس مصالح شعبها العامة.