يسدل تشييع الأمينين العامين الشهيدين ل”حزب الله” السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، في رحاب المدينة الرياضية والضاحية الجنوبية، الستار عن حقبة إقليمية بمحورها وممانعتها ومقاومتها وسلاحها، لمصلحة مرحلة جديدة بمقاربتها و خياراتها وخطابها و إعادة تموضعها، بدأت تظهر مع “حزب الله”، منذ إتفاق إطلاق النار “المذل”، الذي تجلى اليوم أكثر فأكثر في الطلعات الحربية الإسرائيلية فوق رؤوس المشيعيين، ومن خلال نوعية الحشد وخطاب الخلف الشيخ نعيم قاسم، الذي أسقط عنه “أدبيات” المقاومة، وعمد الى تجييرها الى الدولة، مع الاحتفاظ ببعض عبارات رفع المعنويات، للتعويض عن تخلي إيران عنه.
في تشييع الأمينين العامين السابقين ل”حزب الله”، حشد الحزب وبدعم ايراني مادي ومعنوي، في تشييع حضره رسميا الرئيس نبيه بري ممثلا رئيس الجمهورية، والوزير محمد حيدر ممثلا رئيس الحكومة، فيما اقتصر التمثيل الرسمي الخارجي، على رئيس مجلس الشورى الايراني ووزير الخارجية الايراني.
ولعل ابرز ما يمكن قراءته في مشهد التشييع هو كالآتي:
١- غاب اي مسؤول في الحكومة العراقية او اي ممثل لرئيس الحكومة، مع غياب لافت لأي حضور لسوريا الأسد سواء بتمثيل ما، او رفع علمها حتى في خطاب نعيم قاسم، لم ترد على لسانه لا سوريا ولا سوريا الأسد، في سياق حديثه عن دول المحور او المقاومة، علما ان سوريا الأسد كانت ثابتة اساسية في خطاب السيد حسن نصرالله، التي قاتل “حزب الله” دفاعا عن نظامها، وسقط له فيها اكثر من عشرة الاف ضحية بين قتيل وجريح.
١_ الغالبية العظمى من الحشود، هي من المحازبين والمناصرين ل”حزب الله” مع حضور بارز لمناصري “حركة امل”، إضافة الى نحو ٣٠ الف قدموا من ايران والعراق ومن دول اخرى، وشارك فيه الآلاف من المخيمات الفلسطينية في لبنان، ومن النازحين السوريين.
٣- كلمة المرشد علي خامنئي هي التي القيت بالنيابة، فيما لم يتحدث خطيبا في الودائع، اي شخصية قيادية سواء كانت فلسطينية او عراقية او يمنية او حتى لبنانية او غيرهم، فكان التشييع في كلماته مغلق على امين عام الحزب نعيم قاسم ومرشد الحزب ووليه خامنئي.
٤- لم يغب عن المشهد الطائرات الحربية الاسرائيلية، التي استعرضت اجواء بيروت وفضاء التشييع، في رسالة لا تخلو من دلالة انها صاحبة المبادرة العسكرية، وقادرة ان تطال مواقع ل”حزب الله” كانت عرضة للاستهداف في الجنوب والبقاع بالتوازي مع مراسم التشييع، علما ان دولة قطر بحسب مصادر موثوقة، اخذت تعهدا من اسرائيل بعدم استهداف التشييع، وهذا ما ابلغه امير قطر الشيخ تميم بن حمد للمرشد، اثناء زيارته الاخيرة الى طهران.
٥- لم يأت الشيخ نعيم قاسم في كلمته على ذكر المقاومة العسكرية، بل ركز على وظيفة الدولة بانهاء الاحتلال، واشار الى ان وسائل المقاومة، تغيرت عما كانت عليه في المرحلة الماضية، وهو يشكل اقرارا بأن ما كان يعتمده “حزب الله” في السابق، لم يعد مفيدا او ممكنا. وهذا يؤكد في المقابل، ان اسرائيل انهت عسكريا فائض القوة، الذي كان “حزب الله” يهدد الداخل الاسرائيلي ومنشآته الحيوية، وسلم بعد نكران مديد، بأن التحرير هي مسؤولية الدولة.
٦- في مشهد التشييع الحزبي وكلمة المرشد وخطاب قاسم، ماينطوي على رسالة ايرانية هي الاهم اقليميا ودوليا، وهو حاجة ايران لوسائل ضغط، في مواجهة الضغوط الاميركية، المتصلة بالملف النووي والاسلحة الباليستية، ولو كانت وسائل الضغط صوتية، من خلال الحشد الشعبي في بيروت وتظهير مشهد قوة لها في لبنان، بعد خروجها من سوريا وضرب نفوذها العسكري على امتداد دول المحور.
في الختام الحشد الحزبي والطاغي شيعيا، في تشييع الامينين العامين نصرالله وصفي الدين، يكشف عن تراجع جلي لرفض اللبنانيين عموما منهج “حزب الله” في مقاربة الازمات الوطنية، وان كان الشيخ قاسم يشير الى نهج او اسلوب جديدين، فان مشهد المدينة الرياضية ينطوي على انه تشييع لمرحلة مضت، كانت اضرارها اكثر من فوائدها على اللبنانيين، وان الشعبوية التي برزت في مقدمات الاعداد للتشييع، عكست في الجوهر، حال شلل تام، على المستوى العسكري والسياسي لدى الحزب، مع العدوانية الاسرائيلية المستمرة، ومع سقوط النظام السوري، واهتزاز قاعدته العراقية.
وسوى ذلك من اهتزاز قوة الدعم الايراني، “حزب الله كان في وداع امينيه العامين، يدرك انه يودع مرحلة افلت، ليبدأ مرحلة جديدة ليس فيها اقله، بيان يصدر عن المقاومة الاسلامية في لبنان، فضلا عن الرد على ما يطاله من عدوان اسرائيلي.
عن جنوبية