*”صفعة التاس.. كيف حوّلت قضية القميص المسموم هزيمة المغرب إلى انتصار تاريخي للجزائر؟”*

بن معمر الحاج عيسى

في عالمٍ تُختزل فيه أحيانًا معارك السيادة بالكرات والصفارات، تحوّل نزاعٌ ظاهره رياضي بين ناديين إفريقيين إلى معركةٍ سياسية وقانونية تكشف عن صراعٍ وجودي بين جارتين متحاسبتين: الجزائر والمغرب. قضية “قميص نهضة بركان” لم تكن مجرد خلافٍ حول شعارٍ على قطعة قماش، بل تحولت إلى اختراقٍ استراتيجي في الصراع المزمن حول الصحراء الغربية، حيث نجحت الجزائر في تحويل قرارٍ رياضي إلى ضربةٍ موجعة للنفوذ المغربي إفريقيًّا ودوليًّا، عبر بوابة لم تُحسب حساباتها في الرباط: *محكمة التحكيم الرياضي (CAS)*.

تبدأ الحكاية في أبريل 2024، عندما ارتدى لاعبو نادي نهضة بركان المغربي قمصانًا تحمل خريطةً “موسعة” للمملكة، تضمّنت منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، خلال مواجهة اتحاد العاصمة الجزائري في إطار بطولة الكونفيدرالية الإفريقية. القميص الذي بدا للوهلة الأولى كرمزٍ وطنيٍّ بريء، كان في الحقيقة ذراعًا سياسيًّا مُتمددة، وفق الرؤية الجزائرية، لتكريس سردية مغربية ترفضها الأمم المتحدة منذ نصف قرن. لم تنتظر الجزائر طويلًا؛ فالاتحاد الجزائري لكرة القدم (الفاف) أشعل فتيل المعركة القانونية بتقديم احتجاجٍ رسمي للاتحاد الإفريقي (الكاف)، مستندًا إلى المادة 14 من قانون FIFA التي تحظر استخدام الرموز السياسية أو الدينية في الملاعب. لكن الصدمة جاءت عندما أقرّت لجنة الانضباط التابعة للكاف شرعية القميص، معتبرةً الخريطة “جزءًا من الهوية الوطنية المغربية”، في قرارٍ اعتبرته الجزائر استهانةً بسيادتها وتكريسًا لاحتلالٍ غير شرعي.

هنا، تحولت القضية من نزاعٍ إداري إلى حربٍ مفتوحة على جبهات القانون والسياسة. لجأ الفاف إلى محكمة التحكيم الرياضي (CAS) في لوزان، حاملًا معه ملفًّا دسمًا من الوثائق: من قرارات الأمم المتحدة التي تُصنّف الصحراء الغربية “إقليمًا غير مُحسم”، إلى سوابق قضائية دولية رفضت استخدام الخرائط المثيرة للجدل في الفعاليات الرياضية. لم تكن المعركة سهلة؛ فالمغرب، المعروف بنفوذه الكبير داخل الكاف، حاول إقناع المحكمة بأن القضية “مُبالغٌ في تسييسها”، وأن الخريطة مجرد تعبيرٍ عن الوحدة الترابية التي تقرها الدستور المغربي. لكن الجزائر، بخبرة دبلوماسية راكمتها من سنوات الصراع حول الصحراء، نجحت في تفكيك هذه الحجة عبر تركيزها على جوهر القانون الدولي: *”الرياضة يجب أن تبقى محايدة عن النزاعات السياسية”*.

وبعد صدورقرار CAS حكمها أمس الذي نزل كالصاعقة على رأس المخزن والذي أكد على إلغاء قرار الكاف، ومنع نهضة بركان من ارتداء القميص المثير للجدل في كل المباريات القارية، هذا القرار التاريخي المليون الذي يلزم كل الفرق الوطنية المغربية وحتى الإندية منها على التقيد بالقانون…الذي يعزز موقف الجزائر أن القضية قضية تصفية إستعمار من الأساس وهذا ما أكدته قرارات الأمم المتحدة
علما أن القرار لم يتطرق إلى نتيجة المواجهة التي فاز بها الفريق المغربي (2-1). في بعدها الرياضي …..
هذا القرار لم يكن مجرد تصحيحٍ لخطأٍ رياضي، بل كان رسالةً مدوّية مفادها أن المحاكم الدولية لن تسمح بتوظيف المنصات الرياضية كأدواتٍ لـ”التطبيع مع الاحتلال”. بالنسبة للجزائر، كان الحكم تأكيدًا على أن معركتها القانونية ضد المغرب في الصحراء الغربية لم تعد محصورةً في أروقة الأمم المتحدة، بل امتدت إلى الملاعب، حيث تُحارب بالوثائق لا بالرصاص.

الضربة كانت مزدوجة للمغرب: سياسيًّا، كشف الحكم عن فشل استراتيجية الرباط في توظيف الرياضة كأداةٍ لترسيخ شرعيتها في الصحراء، خاصة بعد أن لجأت في السنوات الأخيرة إلى “التطبيع الرياضي” عبر استضافة البطولات الدولية مثل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. رياضيًّا، فقد المغرب جزءًا من هيبته داخل الكاف، الذي طالما اُتُّهم بالانحياز له، بينما برزت الجزائر كلاعبٍ رئيسي قادر على فرض رؤيته عبر المنظومة القانونية العالمية. الإعلام المغربي حاول التخفيف من الهزيمة بوصف الحكم “مُجحفًا”، بينما انبرى نشطاء على منصات التواصل للسخرية من “هوس الجزائر بالصحراء”، لكن المحللين السياسيين يعترفون بأن القضية تركت ندوبًا عميقة في استراتيجية المغرب الإفريقية.

لكن لماذا تُعتبر هذه القضية نقطة تحوُّل في تاريخ الرياضة الإفريقية؟ الجواب يكمن في أنها كشفت عن ثلاث حقائق مقلقة: الأولى أن النزاعات الجيوسياسية قد تُدفن مؤقتًا تحت السجاجيد الدبلوماسية، لكنها تتفجر فجأة في أبسط التفاصيل، كشعارٍ على قميص. الثانية أن الهيئات الرياضية الإفريقية، مثل الكاف، ليست بمنأى عن شبهات الفساد والانحياز، مما يستدعي إصلاحاتٍ جذرية لاستعادة المصداقية. الثالثة – وهي الأهم – أن الجزائر، رغم كل التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية، ما زالت قادرةً على إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية عبر أدواتٍ لم تتقنها كثير من الدول العربية: *القانون، والدبلوماسية الرياضية، والصبر الاستراتيجي*.

اليوم، بينما تحتفي الجزائر بـ”انتصار التاس”، تُعلِّق الأنظار على تداعيات القضية الأوسع: هل ستُغيّر المحاكم الرياضية موازين القوة في إفريقيا؟ هل سيتعلم المغرب درسًا ويبتعد عن إقحام الرموز السياسية في الرياضة؟ الأسئلة تفتح الباب أمام إشكالية أكبر: هل يمكن فصل الرياضة عن السياسة في قارةٍ تعجُّ بصراعات الحدود والهويات؟ القضية أثبتت أن الإجابة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى إرادةٍ تُقدّس روح اللعبة فوق حسابات الأنظمة. ففي النهاية، كما علّق أحد المشجعين الجزائريين بسخريةٍ لاذعة: *”لو كان القميص يحمل خريطة المغرب الحقيقية، لكانت المشكلة أقل.. المشكلة أنهم يرسمون أحلامهم على قمصاننا!”.*

بينما يعيد المغرب حساباته، تُرسّخ الجزائر رسالةً واضحة: الملاعب ليست ساحاتٍ لتصفية الحسابات، والقانون الدولي ليس حبرًا على ورق. قد تكون كرة القدم لعبةً ذات 90 دقيقة، لكن معارك الشرعية تستغرق عقودًا… والجزائر، كما يبدو، تعرف كيف تلعب كلا اللعبتين.

تابعنا عبر: