مصيدة البيت الأبيض

وليد عثمان

ما يبديه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تقاليد وممارسات سياسية، خاصة في علاقة الولايات المتحدة بالدول الأخرى، وطريقة تعامله مع زعماء العالم، أمر ربما لن يقف عند حد عرض شراء أجزاء من دولة، أو ضم أخرى، أو تغيير اسم معالمها الجغرافية، أو نصب مصيدة الإعلام لضيوف البيت الأبيض.

يبدو أن ترامب سيجترح تقاليد أخرى جديدة في ممارساته السياسية تليق باسم ارتبط منذ دخل البيت الأبيض لأول مرة في 2017 بالجدل. وحسب البعض أن تصرفات الرجل الذي لا يملك خلفية سياسية توازي خبرته الطويلة في عالم الأعمال، سترشّدها قواعد الحكم الأمريكية المستقرة، وطبيعة العلاقة بين المؤسسات، وخبرات المحيطين به.
وعلى العكس، ربما يكون تأثير ترامب في الولايات المتحدة هو الأكبر، خاصة بعد عودته مطلع العام إلى البيت الأبيض محاطاً بمساعدين يشبهونه فكراً وسلوكاً، ويشكلون معه تياراً جديداً له تصوراته الخاصة عن بلاده وطبيعة إدارة علاقاتها مع دول العالم وأزماته، خاصة الكبرى.
إن مشادة الرئيسين الأمريكي والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض هي الوجه الأحدث لممارسات ترامب مع ضيوفه، والتي تبدو محاولات لوضع مدرسة دبلوماسية جديدة تقوم على إحراج الضيوف ومناقشة الملفات والأزمات أمام أعين الإعلام، وبالتالي الشعوب.

إن الميكروفونات المفتوحة والكاميرات المتأهبة في لقاءات ترامب بضيوفه، حتى إذا اتفق على وجودها، لم تعد ترصد تحيّات ومصافحات أو تقاليد الدخول إلى مكان الاجتماع أو مغادرته، بل هي الآن في قلب تفاصيل مناقشات دقيقة تحاول فرض الرؤى الأمريكية تحت ضغط الحصار الإعلامي والمفاجأة وتحّسب الضيوف لردود فعل حلفائهم أو شعوبهم.

ليست السياسة ولا المباحثات بين الزعماء خلواً من كل ما يحدث بين غيرهم في الاجتماعات، بل فيها نوادر من الشطط والتجاوزات اللفظية والاشتباك، غير أن العادة جرت على التعبير عن المواقف المتباينة أو المتطابقة بصياغات إعلامية تحفظ هيبة جميع الأطراف.
وربما تمضي سنوات طويلة على لقاء بين زعيمين قبل أن نعرف ما دار في لقاءاتهما، وقد نكون أمام صورة لاجتماع بينهما تتسيده الابتسامة الموزعة على الصحف، بينما كانا في الكواليس يتبادلان التهديدات.
إن الرئيس الأمريكي يريد أن يجعل السياسة، حين يريد أو في ملفات بعينها، فعلاً إعلامياً مباشراً لا يترك مجالاً لاجتهاد الصحفيين الآن، ولا ميداناً للمؤرخين بعد سنوات في قصّ الوقائع. وهو لا يفعل ذلك، بالطبع، من باب الشفافية أو إشراك الجماهير في الحكم، إنما يتحرك بمنطق الباحث السريع عن الربح غير الصابر على تفاوض أو هندسة مواقف كل الأطراف، وصولاً إلى صيغة تحفظ هيبة كل الأطراف رغم انطوائها على خلاف.
إن شيئاً من هذا التوجه الجديد بدا في تقاليد البيت الأبيض منذ عودة ترامب، لكنه ظهر أكثر أثناء زيارة فولوديمير زيلينسكي، وحتماً سيتكرر، فكيف يستعد الضيوف بعد ذلك لمصيدة البيت الأبيض؟.

الخليج الاماراتية

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً