الرئيس الفلسطيني محمود عباس وضع أمام القمة العربية التي عُقدت في العاصمة المصرية القاهرة رؤية سياسية واقعية فلسطينية ترتقي في مضمونها إلى خارطة طريق تتناسب وتتكامل مع مقاربة الدبلوماسية العربية لحل الصراع القائم بنتائجه الحالية. بل ذهبت الرؤية أبعد من ذلك، وكسر بعض المحرمات في الحالة السياسية الفلسطينية وقدم توصيفات تصب في هيكلة المرحلة الراهنة والقادمة للخروج من تداعيات السابع من أكتوبر المشؤوم الذي جلب الويلات للمنطقة بأسرها.
جدية الخطاب الرسمي الفلسطيني أمام أرفع مستوى تمثيلي جمعي عربي، بتقديمه الرؤية بصياغة جذرية شاملة وغير تجميلية تتماهى مع ركائز عربية ودولية، سعت لإحداث إصلاحات داخل النظام السياسي الفلسطيني، وهو ما كان خلال الأيام القليلة التي سبقت اجتماع القمة. فكان التغيير التصاعدي والمتوازن في هرم المناصب العليا في السلطة، وتمهيد الطريق لضخ دماء جديدة في مفاصلها الأمنية والاقتصادية ومن ثم السياسية، ليتم الإعلان عن استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية لتأمين ديمومة منظمة التحرير وشرعيتها النضالية. فكان لا بد من التأكيد على الالتزام بأهمية منظمة التحرير باعتبارها الإطار الجامع الشرعي الوحيد للفلسطينيين.
ثنائية السلطة والمنظمة والحفاظ عليها بمعادلاتها التمثيلية للشعب الفلسطيني، خاصة مع بيان المشروع اليميني الإسرائيلي الدافع نحو واقع يفرض في ثناياه إنهاء السلطة الفلسطينية، الكيانية السياسية والاقتصادية لأفراد الشعب الفلسطيني على أراضيهم المحتلة؛ كمقدمة لتهجيرهم منها، يقتضي مرونة سياسية فلسطينية تتكيف مع المتغيرات وفق تصورات عربية أو حتى دولية، تصب في صالح تعزيز صمود الفلسطينيين بإبقائهم على أرضهم، وهو العنوان العريض الذي أجمعت عليه القمة العربية عبر بنود بيانها الختامي.
الإصرار العربي على وضع حد للعبث بمصير المنطقة من خلال أجندات أنظمة إقليمية تريد إدامة الفوضى عبر ميليشيات طائفية وأيديولوجية بالية، تم تجاوزه نهائيًا من خلال حضور الرئيسين السوري أحمد الشرع واللبناني جوزيف عون من جانب، ومن جانب آخر طرح خارطة طريق فلسطينية متوافقة مع الخطة المصرية (العربية) التي يتطلب نجاحها وحدة صف تأتي أولاً من داخل حركة فتح؛ رافعة المشروع النضالي الواقعي الفلسطيني، القادرة على الاستمرار بسقوف سياسية تستند إليه متطلبات العرب من أجل تحقيق استقرار المنطقة وأمنها.
فكر حركة فتح، بإطاره المدني العلماني، هو المسار الصحيح لمحاربة الشوائب الأيديولوجية الإخوانية التي اعترت الساحة السياسية الفلسطينية، وهو أيضًا الأرضية الصلبة للخطة المصرية (العربية) بشأن قطاع غزة. لذلك يستلزم وحدتها لترسيخ مبادئ الوطنية الفلسطينية من عبث محور أهلك دولًا في المنطقة تحت مسمى وحدة الساحات. فالفكر الغوغائي الذي اعتمد عليه هذا المحور يحاربه فكر وطني ذو خطاب وسردية يستطيعان إنجاز طموحات الشعب الفلسطيني الذي يناضل لأجلها منذ سبعة عقود وأكثر.
لا يمكن إنكار أن هناك أسماء خرجت من كنف حركة فتح، ستعود إليها لتساهم في إعطاء زخم سياسي مطلوب يدفع إلى الخروج من المستنقع (الإسرائيلي الحمساوي) في المرحلة المقبلة، تمهيدًا لترتيب البيت الفلسطيني بالذهاب نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمجلس الوطني في مناطق الدولة الفلسطينية المنشودة، حال توفرت الظروف، التي لن تتحقق إلا بإرادة دولية ضاغطة لإجرائها ضمن إجماع سياسي فلسطيني يبدأ أولاً من داخل فتح أكبر حركات وفصائل العمل السياسي الفلسطيني.
عن العرب اللندنية