الصين والأمن القومي العربي

د. علاء الديك

بعد أن قرأت مقال الدكتور إياد البرغوثي بعنوان الأمن القومي العربي.. أنا “فلسطين” يا ابي، الذي نشر في جريدة القدس بتاريخ 8 مارس 2025. وجدت أن هذا المقال ذو قيمة علمية ورؤية وطنية بامتياز، ليس فقط على المستوى الفلسطيني فحسب، بل أيضاً على المستوى الإقليمي والدولي. وعليه، لا بد من الاهتمام بهذا المقال من قبل الخبراء والباحثين في الشأن الفلسطيني والعلاقات الدولية بهدف تحليل وشرح النقاط الهامة التي وردت فيه، لعلها تصبح خططاً وسياسات عامة للعديد من الدول الإقليمية والدولية التي تسعى لحماية الأمن والسلام والعدل والمساواة تجاه الآخرين. وهذا ما شجعني لكتابة هذا المقال الذي سيتناول بالتحليل أربعة قضايا رئيسية: تجاهل إسرائيل للأنظمة العربية وإعلانها الرسمي بفرض مفهوم جديد لإعادة بناء شرق أوسط جديد وكأنها صاحبة القرار. وتجاهل إدارة ترامب للمواقف العربية والمضي بدعم إسرائيل والموافقة على كل مخططاتها المستقبلية تجاه المنطقة. والموقف العربي الرسمي تجاه وحدة الموقف والسعي الجدي لحل القضية الفلسطينية حلاً شاملاً وعادلاً وفق ما جاء في مبادرة السلام العربية عام 2002. وأخيراً الاهتمام بفاعلية الجهود الدبلوماسية الصينية لتسوية القضية الفلسطينية والإصرار على بناء نظام دولي متعدد الأطراف أكثر عدلاً وإنصافاً، وهذا يتطلب موقفاً عربياً فلسطينياً ثابتاً ومشتركاً في كل المحافل الدولية بهذا الصدد.

فالملاحظ أن حكومة إسرائيل الحالية وخاصة بعد تسلم ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض منذ 20 يناير المنصرم، لا تعطي أي اهتمام لمواقف الأنظمة العربية الرسمية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي أو بالتطورات التي تحدث في فلسطين، حيث أعلنت إسرائيل وقف المساعدات لغزة وتسمية الضفة الغربية “يهودا والسامرة” تمهيداً لضمها، وأكدت كذلك على ضرورة إعادة بناء شرق أوسط جديد يتماشى مع رؤيتها الأمنية والاستراتيجية الجديدة. إضافة لذلك، ترحيب إسرائيل بدعوة ترامب لترحيل الفلسطينيين، وقد بادرت إسرائيل بالفعل بالتفكير الجدي لفتح باب الهجرة الطوعية للفلسطينيين الراغبين في ذلك. ناهيك عن تطابق الموقف الأمريكي والإسرائيلي فيما يتعلق باليوم التالي من الحرب على غزة، وهو إدارة غزة والسيطرة عليها. وعليه، فالموقف العربي الرسمي لم يؤثر حتى اللحظة على تلك السياسات والمبادرات المستقبلية من الجانب الأمريكي والإسرائيلي تجاه المنطقة وفلسطين. وبالتالي لا بد للعرب والفلسطينيين أن يعيدوا التفكير بطرق أخرى لحماية مكتسباتهم الوطنية وأمنهم القومي، بعيداً عن الرهان على تغيير محتمل في الموقف الإسرائيلي-الأمريكي مستقبلاً.

وهذا بكل تأكيد يأتي بالتزامن مع إعلان ترامب سياساته الجديدة تجاه المنطقة العربية وفلسطين، وأهمها تهديد الفلسطينيين بالحرب الشاملة والجحيم المنتظر إذا لم يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين، والسيطرة على غزة بعد الحرب، والدعوة لتهجير الفلسطينيين للأردن ومصر أو دول أخرى، وإعادة تصدير السلاح المحظور لإسرائيل، والدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية. هذا الموقف يجعل إسرائيل غير مهتمه بالسلام وتعتبره مضيعه للوقت. وأيضاً حافزاً لها لإتمام مخططاتها المستقبلية فيما يتعلق بالمنطقة وخاصة تجاه سورية ولبنان وفلسطين. وعليه، فالموقف الأمريكي اليوم يعتبر ضوءاً أخضر لإسرائيل لممارسة سياساتها التوسعية والاستعمارية في المنطقة وفلسطين، الأمر الذي قد يهدد الأمن والسلام الدوليين ويعرقل الجهود الدولية الرامية لتعزيز الاستقرار والهدوء في المنطقة وفلسطين.

وفيما يتعلق بالموقف العربي الرسمي تجاه وحدة الرأي والسعي الجدي لحل القضية الفلسطينية حلاً شاملاً وعادلاً وفق ما جاء في مبادرة السلام العربية عام 2002. فالعرب ما زالوا غير متفقين ومتحدين تجاه فكرة التطبيع مع إسرائيل. فهناك أقطار عربية تقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل، والبعض لا يقيم علاقات مباشرة مع إسرائيل ولكن ينتهج مسار الاعتدال في تصريحاته تجاه الآخرين. وهذا يتنافى مع ما جاء في مبادرة السلام العربية عام 2002 التي أقرها العرب في القمة العربية في بيروت لتسوية القضية الفلسطينية، والتي اشترطت قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وفق القانون الدولي، ليتسنى عندئذ للعرب إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. على الجانب الآخر، ما زال العرب والفلسطينيون يقدمون حسن النوايا وطيب القلب لإدارة ترامب وحلفائهم في المنطقة، وهو ما حدث في آخر قمة عربية عقدت في القاهرة مؤخراً، حيث تقدموا بالشكر والتقدير لجهود أمريكا لإحلال الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، ولم يخطر على بال أحد أن أمريكا ترسل السلاح لإسرائيل لضرب غزة ولبنان وسورية، وتدعو لتهجير الفلسطينيين والسيطرة على قطاع غزة، وتتوعد بتحويل حياة الفلسطينيين لجحيم إذا لم يلتزموا بالمطالب الأمريكية الإسرائيلية، وعليه فإن الأمن والسلام والاستقرار الذي يتحدثون عنه غير موجود. وأكدوا كذلك على ضرورة تحقيق السلام وحل القضية الفلسطينية، ووقف الحرب وتقديم المساعدات، ورفض التهجير وإعادة الإعمار، واعتبروه الهدف الأسمى والثابت بالنسبة لهم، ولكن هل ستلتزم أمريكا وإسرائيل بذلك؟ فالواقع مغاير لذلك تماماً. في المقابل، لن نرى أي حديث عن أهمية الجهود الصينية الدبلوماسية الفعالة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة العربية وبالتالي دعم ورعاية الأمن القومي العربي من التحديات التي تواجهه، علماً أن الصين والعرب قد اتفقوا في ديسمبر عام 2022 وخلال انعقاد القمة الصينية العربية الأولى في الرياض، على التعاون المشترك لبناء مجتمع المصير المشترك في العصر الجديد، ودعم مبادرة الأمن العالمي التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في أبريل عام 2022 التي تهدف لتعزيز الأمن والسلام من أجل مستقبل مشترك.

وأخيراً، وفيما يتعلق بفاعلية الجهود الدبلوماسية الصينية لتسوية القضية الفلسطينية والإصرار على بناء نظام دولي متعدد الأطراف وإصلاح الحوكمة العالمية لتكون أكثر عدلاً وإنصافاً، الأمر الذي يتطلب موقفاً عربياً فلسطينياً ثابتاً ومشتركاً في كل المحافل الدولية بهذا الصدد. فالصين دولة صديقة وشريكة، وقد أعلن في يونيو عام 2023 عن اتفاق الشراكة الاستراتيجية في مختلف القطاعات والمجالات. وبدون شك فإن الموقف الصيني الرسمي والشعبي تجاه عدالة القضية الفلسطينية وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه الفلسطينية، وجهود الصين لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية بين الأطراف الفلسطينية كافة، هو موقف ثابت وحازم ومستمر. وفي آخر لقاء مع وزير خارجية الصين عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني السيد وانغ يي، أمام الدورة الثالثة للمجلس الوطني والرابعة عشرة لنواب الشعب الصيني بتاريخ 7 مارس 2025، أكد على عدالة القضية الفلسطينية وأن قطاع غزة ملك للفلسطينيين وجزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وتلتزم الصين بمبدأ “حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين”. وأضاف “أن العالم لم ينعم بالسلام والأمن والأمان بدون تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وهذا لم يتحقق دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. وشدد كذلك على أن الصين شريك استراتيجي للدول العربية وصديق مخلص للأخوة العرب، وتلتزم الصين بكل ثبات بدعم شعوب المنطقة وإرادتها لتحقيق العدل والسلام والتنمية”. وفيما يتعلق بجهود تحقيق المصالحة الفلسطينية، أكد من جديد على ضرورة تنفيذ إتفاق بكين من خلال تقوية الذات عبر التضامن وتجاوز الخلافات لما يصب في مصلحة القضية الوطنية”. وعليه، فإن الموقف الصيني وجهود الدبلوماسية الصينية تجاه تسوية القضية الفلسطينية والقضايا العربية فعالة ومستمرة من خلال صلابة الموقف والأداء بهدف حماية السلام والعدل. وبالتالي، فإن موقف الصين كطرف دولي هام في المعادلة الدولية، يعتبر بمثابة الدور الفعال والحقيقي الذي سيساهم في تعزيز الأمن والسلام وحماية الأمن القومي العربي وتحقيق عدالة القضية الفلسطينية.

في المحصلة، على العرب والفلسطينيين أن لا يبالغوا في الامتثال والإخلاص والمراهنة من جديد على الموقف الأمريكي لإحلال السلام والاستقرار في فلسطين والمنطقة وبالتالي حماية أمنهم القومي، لأن الأمريكي وحلفاءه لم يجلبوا لأحد الأمن والسلام والاستقرار طالما أن مصالحهم وسياساتهم الأحادية فوق كل إعتبار. ومن جهة أخرى، على العرب والفلسطينيين رعاية ودعم مواقف أصدقائهم وشركائهم المخلصين كالصين وغيرهم من الدول الداعمة لقضايا العرب العادلة “قضية فلسطين”، بدون تردد أو خوف.

……………..

الموقف الصيني الرسمي والشعبي تجاه عدالة القضية الفلسطينية وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه الفلسطينية، وجهود الصين لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية بين الأطراف الفلسطينية كافة، هو موقف ثابت وحازم ومستمر.

عن القدس المقدسية

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً