منصّة عالمية وأشرطة حول الكارثة والإبادة في غزة

بكر أبوبكر

مما لاشك فيه أن الصورة تستحوذ على قلوب وعقول الناس. ورغم أهمية الكلمة وعِظَمها فإن تحتل الصورة الموقع الأول لا يغني عن حقيقة جذرية الكلمة وما تجلبه معها من قراءة عميقة ذات بُعد تتقاطع فيه الكلمات والأرقام والتخيلات والتصورات فترسم في الدماغ حقيقة الفكرة.
في ظل طغيان الصورة التي قتلت فعل القراءة يتجلى أهمية الاهتمام المتوازن بالأداتين التربويتين والاعلاميتين والتثقيفيتين، ولا ينكر أحد سطوة الأولى في ظل انكماش سوق الكلمة والكتاب الملتزم خاصة في عالمنا المرتبك بين عقله، وعواطفه ونزواته يعظّم الأخيرة ويقزم الاولى.
عمومًا دعني أخوض بصلب الموضوع وهو مجزرة العصر وكارثة القرن من الإبادة الانسانية الواقعة في قطاع غزة الفلسطيني-العربي، ومن هذه الزاوية أي الكلمة مقابل الصورة.
وعليه فإن الحزن من عدم انتشار أو ثبات الكلمة أو الصورة للمجزرة في العقل العربي والعالمي وهي للغرابة والعجب العُجاب مازالت قائمة! إنما يعود لتقصير لدينا نحن الواقعين تحت سطوة الكارثة والنكبة الثانية (فلسطينين وعرب) وما ذاك الا نتيجة إهمالنا تأسيس منصة عالمية للكارثة والنكبة والإبادة الجماعية في قطاع غزة، أو سمّها ما شئت ما دمت تسعى (أو يجب أن تفعل) لتخليدها للقرون القادمة.
منصة عالمية للكارثة والإبادة في غزة وفلسطين تعني إنشاء منصة تفاعل الكتروني (ومثلها فيزيائي) لما حصل ويحصل في غزة (2023-2025م) كما تعني الكثير من إنشاء متاحف ومعارض عديدة بكل مكان، وشرائط سينمائية بالمئات إن لم يكن بالآلاف، ومسلسلات وتوثيق روايات وقصص وكتب وشهادات وجوائز وتكريم و…..وملاحقة كافة مجرمي الإبادة ضد شعب فلسطين العربي، وضد أرض فلسطين العربية. كل ذلك ضمن هيئة حكومية وشعبية عربية لا تقل أهمية عما هو النموذج بلجنة المحرقة النازية (الهولوكوست).
نعم إن التقصير العربي جليّ، على فرضية أن فلسطين هي قضية العرب! وعلى الأقل هذا ماقالته قمة العرب في رمضان 2025م بشهر آذار مارس، ولو لفظيًا حينما تسمت قضية فلسطين بلا أي قطران.
نعم التقصير العربي قائم ومنه الفلسطيني في (صناعة) و(تخليد) كارثة غزة العظمى ونكبة فلسطين الثانية، ولقد تجلى شعور الحزن بالصورة للأسف حينما سقطت صورة الكارثة العظمى في فلسطين وغزة من الشاشات في رمضان فيمالا يقل عن 70 عمل درامي (مسلسلات) عربية بالعامين 2024 و2025 فلم يتعرض أي منها لكارثة العصر في غزة؟! وكأنها شبح أو كأنها لم تكن!؟ بينما يظل التغني بالأمجاد السحيقة قائمًا كل موسم رمضاني بلا أي معنى! إذ ليس لنا من تلك الأمجاد الا حديث الدواوين والمسلسلات، والكذب على الذات السلطانية!
ألم يكن الأجدر بالقمة العربية بدل الكلام الجميل والوعود الخلابة لإعمار غزة المنكوبة أن تقوم بملاحقة مجرمي الحرب الذين أدانتهم الجنائية الدولية بوضوح وبالقانون ولا تتعامل معهم مثلًا، أو أن ترهن علاقاتها الدولية بمن يعترف بدولة فلسطين العربية!؟ أو أن تتجند عالميًا لاسقاط حكومة الإبادة الصهيونية في فلسطين، وبالامم المتحدة!؟ وتقول ذلك بملء الفم بوجه فرعون العصر الحديث القابع في واشنطن!
ألم يكن الأجدر بالقمة العربية العظمى أن تتخذ موقفًا حازمًا ضد الثقافة والرواية والشخصيات والمصطلحات والاعلام العبري بقطع كل العلاقات بهذا الشان على الأقل فورًا وبشكل عاجل وعبر إسكات الفضائيات التهييجية التدليسية الكذابة، ومنعها من استضافة رموز الإرهاب والعدوان.
ولا أريد أن أدخل بقوة العرب المهولة بالاقتصاد ما يمكن-مازال الوقت بصالحنا-استخدامه لتعجيل حل القضية الفلسطينية من جهة بالدولة على المتاح من فلسطين فقط، وتخليد كارثة فلسطين في غزة للأبد كي لا تتكرر ثانية، ذكرى للأجيال، وكي لا تكون بلا أي ثمن وكأنها حدث عرضي شكّل مأساة ومضى وانتهى!
ماذا لو اتخذت القمة العربية “قمة فلسطين” قرارًا بنصرة فلسطين عبر إنشاء منصة الكارثة والإبادة في فلسطين، وعبر الاتفاق على انتاج مئة مسلسل وشريط سينمائي وفي جعبة الفلسطينيين الكثير؟ ألم يكن أفضل من وعودات بالمال لم تفلح منذ قمة القذافي.
إن الصهاينة قد جعلوا من الكارثة والمحرقة النازية (صناعة) كاملة فمازالت هوليود لا تكف عن الإشارة لذلك ومر عليها ما يقرب 80 عامًا. وللذكر فإن من الشرائط التي فازت مؤخرًا بالأوسكار اثنين لهم صلة باليهود وبالمحرقة! لتأكيد أهمية الصورة. وما كان لأول شريط (فلم) عن فلسطين يفوز بالأوسكارلأول مرة بالتاريخ (شريط: لا أرض أخرى) لولا أنه مثّل عملًا مشتركًا فلسطينيا-إسرائيليًا!
يقول “نورمان فنكلشتاين” وهو اليهودي التقدمي ومن الناجين من المحرقة النازية في كتابه الهام “كيف صنع اليهود الهولوكوست” أنهم بصناعتها وديمومتها يستثمرون بها ماليًا واقتصاديًا من جهة وبشكل فظيع، وثقافيًا بتخصيص (فرادتها/تميزها) العالمية إذ لا مثيل لها بالتاريخ! بل هي (فوق التاريخ)! بل وتستخدم في سياق التلويح بعصا تهمة الإرهاب الفكري و”معاداة السامية”. ودون الخوض بذلك فلنا أن نأخذ علمًا بامكانية صناعة الحدث وديمومة إبرازه وتخليده كما يحدث بالمحرقة النازية، وبعيدًا عن النوايا والتفخيم والتعظيم والابتزاز في سياقها فإن مدرسة الإبراز الصريح المثابر والتخليد من التجربة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لاسيما أن المجزرة او الكارثة العظمى في غزة والإبادة كانت تحصل أمام أعين العالم كلّه فلا يجب أن نتركها بعد سنة او سنوات قليلة تمر وكانها ريح سموم تخلصنا منها وانتهينا.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً