خلال الاشهر القليلة الماضية تزايد الحديث عن سلطة فلسطينية متجددة، والبعض تحدث بدون مواربة عن سلطة جديدة. ودعا هؤلاء إلى تشكيل حكومة تكنوقراط مع رئيس وزراء “قوي ومقبول” تكون مهمتها لمرحلة انتقالية الاعداد للانتخابات لاختيار قيادة جديدة للشعب الفلسطيني، والجميع يتحدث عن الاصلاح من منطلق الحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني. وهي مصلحة بحاجة إلى إعادة تعريف والحالة هذه. الحديث عن السلطة المتجددة جاء للمرة الأولى على لسان وزير الخارجية الاميركي السابق بلينكن. وفي التقرير الذي تركته إدارة بايدن إلى إدارة الرئيس ترامب.
تبنت اوساط عربية واخرى فلسطينية فكرة تجديد السلطة الفلسطينية. واصبح الحديث يجري وكأن المطلوب هو القيام بانقلاب شامل يلغي عمليا وجود منظمة التحرير الفلسطينية. وإلغاء المنظمة يعني الغاء الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. وقد يمثل تخليا عن حقوق اساسية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق العودة.
بعض دعوات الاصلاح والتجديد تشبه، وبالرغم مع اختلاف الظروف، تلك التي جرت في العراق بعد الاحتلال الاميركي. والمحاولات المشابهة في ليبيا والان في سورية، ونحن لاحظنا ماهي النتائج، فالعراق لا يزال يعيش حالة من عدم الاستقرار، وليبيا منقسمة على نفسها. كافة هذه التجارب جاء التغيير بعد وجود أنظمة دكتاتورية شمولية، وكانت دول مستقلة وهي أمور تختلف عن واقعنا تماما، كما ان لمؤسساتنا شرعية وطنية، بالاضافة إلى الشرعية الديموقراطية، ولا يمكن القفز، ونحن دولة تحت الاحتلال عن الشرعية الوطنية.
صحيح ان نظامنا السياسي بحاجة للتجديد عبر إجراء انتخابات، وصحيح ايضا ان هناك شبه إجماع بضرورة إجراء هذه الانتخابات. ولكن على ان يتم ذلك من خلال المؤسسة الوطنية الشرعية وليس بالانقلاب عليها يلغي كل ما سبق. كما ان أسباب تعطيل الانتخابات معروفة، وليس من بينها الآليات، ومن ضمن العقبات يأتي الانقسام، ومنع سلطة الاحتلال الإسرائيلي إجراء انتخابات في القدس الشرقية، وهو ما جرت العادة ان تجري منذ اتفاقيات اوسلو، وهو ما حصل في انتخابات العام 1996 والعام 2006.
ما يطرحه البعض من آليات، تقترب إلى منطق الانقلابمصحوب بضغط خارجي، في مقابل ذلك فإن لدى الشعب الفلسطيني آليات معروفة وهي ان يصدر الرئيس مرسوما لإجراء الانتخابات، وقد اثبتت التجارب السابقة، وبشهادة المراقبين الدوليين بانها كانت انتخابات ديموقراطية جرت في أجواء من الشفافية التامة. هناك حاجة اذا للتركيز على العقبات اكثر من طرح الآليات، او الحديث عن حكومة، لدينا عقبات لا يمكن إجراء انتخابات بدون إيجاد حل لها، وان إجراء الانتخابات دون الحلول ستعيد الامور إلى المربع الأول.
وقد تكون عقبة إجراء الانتخابات في القدس الشرقية اقل العقبات تعقيدا، بالرغم من ما تتضمنه من مخاطر سياسية. ولكن العقبة الرئيسية هي وضع حركتي حماس والجهاد، وبالتحديد حماس، لان الجهاد لا تشارك في الانتخابات كما جرت العادة، لا يمكن ان تجري انتخابات من دون حل العقبات أمام استيعاب حماس في النظام السياسي، وقبل ان تحسم موقفها من عدة شروط يضعها المجتمع الدولي، وحتى الدول العربية التي تقول ان لا مال لإعادة بناء في قطاع غزة مع وجود سلاح وأنفاق في القطاع، وهناك شرط دولي اكثر شدة يطالب بأن لا تكون حماس في المشهد السياسي بالمطلق، اقلها في السنوات القليلة القادمة.
لا تزال في ذاكرتنا الازمة السياسية العميقة التي دخل فيها الشعب الفلسطيني بعد فوز حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي، قبل ان تلتزم بشروط المجتمع الدولي المعروفة الموافقة على الاتفاقيات الموقعة، ونبذ العنف، والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية، وهي الازمة التي قادت في نهاية الامر إلى انقلاب حماس وسيطرتها بالقوة على قطاع غزة، ودخول الساحة الفلسطينية في اخطر انقسام في تاريخها. هناك حاجة لحل عقدة حماس قبل إجراء انتخابات. أو أن تختار حماس إما تلبية شروط استمرارها، أو أن تعلن أنها لن تشارك مباشرة في الانتخابات القادمة.
المسألة المهمة في كل ذلك، هو ان هناك قناعة بات يجمع عليها الفلسطينيون، بضرورة تجديد النظام السياسي الفلسطيني، ولكن ان تتم عملية التجديد عبر المؤسسة الشرعية، والآليات المتعارف عليه. ومن تابع خطاب الرئيس محمود عباس في القمة العربية الاخيرة فإنه تضمن الخطوات الأولى المهمة لا لتجديد النظام السياسي وحسب وإنما ليكون نظاما متماسكا لا يسمح بوجود فراغ يقود إلى الفوضى، او إنتاج أزمات اكثر حدة من السابقة.