في عالمٍ تُهدده الحروب وتطحنه الأزمات، تظهر جمعية البركة الجزائرية كقصة إنسانية فريدة، ترويها الأرقام بقوة الأمل، وتُجسدها المبادرات بعزمٍ لا يعرف الكلل. منذ تأسيسها عام 2010، تحولت الجمعية من مبادرة محلية إلى ظاهرة تضامنية عابرة للقارات، تجمع بين نصرة القضية الفلسطينية كقضية مركزية وإحياء قيم التكافل داخل الجزائر، عبر استراتيجيات ذكية وشفافية نادرة، جعلتها واحدة من أنجح الجمعيات الخيرية في شمال إفريقيا بحسب تصنيفات منظمة “الفاعلية الإنسانية” العالمية. لم تكن فلسطين مجرد شعارٍ ترفعه الجمعية، بل تحولت إلى التزامٍ يومي تُترجمه الأرقام. فقد خصصت الجمعية 3 مليارات دينار جزائري (22 مليون دولار) لغزة خلال عدوان 2021، موجهةً 60% منه لشراء الأدوية والمعدات الطبية، و30% لتأمين السلال الغذائية، و10% لدعم برامج الإيواء الطارئ. وفي عام 2023، تصاعدت الأزمة مع تجدد العدوان الإسرائيلي، فكانت البركة في الصف الأول: 15 طنًّا من المستلزمات الطبية، و500 جهاز تنفس صناعي، و2000 حقيبة إسعاف أولي تم إرسالها عبر ممرات إنسانية دولية، بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي. لم يتوقف الدعم عند الإغاثة العاجلة، بل امتد ليشمل كفالة 1200 يتيم فلسطيني، عبر برنامجٍ شهري يُغطي احتياجاتهم التعليمية والصحية، بدعمٍ من 35 ألف أسرة جزائرية تتبنى مساهماتٍ شهرية منتظمة. الأرقام هنا ليست مجرد كميات، بل قصصٌ إنسانية ترويها أم أحمد، إحدى الناجيات من قصف حي الشجاعية في غزة، التي قالت: “عندما وصلتنا مساعدات الجزائر، لم نصدق أن أناسًا لم نرَ وجوههم يسمعون أنيننا عبر آلاف الكيلومترات. بطاطينهم دفتنا، وأدويتهم أنقذت أطفالًا كان الموت يخطفهم”. إذا كانت فلسطين هي القلب النابض لعمل الجمعية، فإن الجزائر هي الجذور التي تُغذي هذا القلب. هنا، تتحول البركة إلى مشروع وطني متكامل، تتداخل فيه الإغاثة مع التنمية، حيث تُوزع 50 ألف سلة غذائية شهريًّا في 35 ولاية جزائرية، 40% منها يصل إلى قرى نائية لا تُبصرها الحملات الإعلامية. كما يُكفل تعليم 7000 طالب وطالبة من أسرٍ فقيرة بالكامل عبر مبادرة “تعليم بلا حدود” التي ساهمت في خفض نسبة التسرب المدرسي بنسبة 22% في ولايات الجنوب، وفق إحصاءات وزارة التربية 2023. وتحولت 2000 امرأةٍ من عائلاتٍ مُعدمة إلى رائدات أعمال صغيرات، بعد تدريبهن على الحرف اليدوية وتسويق منتجاتهن عالميًّا عبر منصة إلكترونية أطلقتها الجمعية باسم “يد الجزائر”. أما الأكثر إبهارًا، فهو مشروع “القرى الذكية” الذي أطلقته الجمعية عام 2022، حيث تم تجهيز 30 قرية نائية بالطاقة الشمسية ومراكز رقمية مجانية، مما أسهم في ربطها بأسواق العمل ورفع مستوى دخل الأسر بنسبة 35% خلال عام واحد فقط. وراء هذه الأرقام الطموحة، تكمن استراتيجيات مبتكرة جعلت الجمعية نموذجًا يُدرس في جامعات الإدارة العالمية، مثل تطوير تطبيق تفاعلي يتتبع كل تبرعٍ منذ لحظة إيداعه حتى وصوله للمستفيد، مما رفع ثقة المجتمع بنسبة 94% وزاد التبرعات عبر الإنترنت 70% خلال عامين. كما وفرت الجمعية دوراتٍ مجانية لـ15 ألف شابٍ جزائري في مجالات التكنولوجيا واللغات، مع توظيف 30% منهم في مشاريعها بعد التخرج. بإشراف مباشر من رئيس الجمعية الدكتور الحاج أحمد الإبراهيمي تم بناء شبكة دولية تضم 120 منظمة إغاثية في 40 دولة، مما مكنها من اختراق الحصار السياسي حول غزة عبر قنواتٍ إنسانية محايدة. ورغم النجاحات، تواجه الجمعية انتقاداتٍ بعضها مشروع، مثل كيفية الموازنة بين أولوية القضية الفلسطينية وحجم الفقر المحلي، حيث يُوجه 70% من التبرعات لمشاريع داخل الجزائر. تعتمد الجمعية على تحالفاتٍ مع منظمات دولية مرخصة لدى الأمم المتحدة، مثل “اليونيسف” و”برنامج الأغذية العالمي”، لتجاوز العقبات السياسية. ما يميز البركة الجزائرية حقًّا هو تحويلها العمل الخيري من فعلٍ فردي إلى ظاهرة مجتمعية، حيث يُشارك 500 ألف متبرعٍ دائم، 80% منهم شباب دون سن الثلاثين، عبر تطبيقات الهاتف بمبالغٍ رمزية أحيانًا، لكنها تتحول إلى أموالٍ ضخمة بفعل قاعدة “القليل الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع”. كما ينظم 10 آلاف متطوعٍ ماراثونات خيرية ويوميات تبرعٍ في الجامعات، وينشرون قصص المستفيدين عبر منصاتهم الشخصية، مما يُحفز التضامن كموضةٍ اجتماعية إيجابية. في السياق الدولي، تلقى عمل الجمعية إشادات واسعة من قبل المنظمات العالمية والإقليمية، حيث أثنى برنامج الغذاء العالمي على جهود الجمعية في توفير المساعدات الغذائية للأسر المحتاجة، وأكد على دورها الفعال في تحسين الظروف المعيشية للمستفيدين.
كما أشادت منظمة الصحة العالمية بمبادرات الجمعية في تقديم المساعدات الطبية، مشيرة إلى أن هذه الجهود ساهمت في إنقاذ العديد من الأرواح. على الصعيد الإعلامي، حظيت الجمعية بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام العربية والعالمية، حيث سلطت العديد من الصحف والمجلات الضوء على إنجازات الجمعية، واعتبرتها نموذجًا يحتذى به في العمل الإنساني. جمعية البركة الجزائرية ليست مجرد كيان خيري، بل هي تجسيد للإنسانية والكرامة، تذكرنا بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي اختبار لإنسانيتنا. دعم المحتاجين في الداخل هو استثمار في كرامة الوطن. في زمن تتوالى فيه الأزمات، تبقى البركة الجزائرية دليلاً على أن الخير قادر على صنع المعجزات، عندما تُحملُه أيادٍ مخلصة وقلوبٌ تؤمن بأن العطاء ليس مجرد فعل، بل هو هوية. تمثل الجمعية الأمل لكل من يسعى إلى عالم أفضل، حيث تتجلى قيم التضامن والإنسانية في أبهى صورها، مما يجعلها مثالًا يُحتذى به في العمل الإنساني على المستوى العربي والدولي.