نجحت المقاومة الفلسطينية، عبر عقود من النضال بمختلف أشكاله، في إحداث اختراقات نسبية في “كسر جدار الصمت” الدولي المحيط بالقضية الفلسطينية، لا سيما مع تحوُّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة رئيسية لمواجهة الرواية الإسرائيلية المهيمنة إعلاميًا وسياسيًا. ففي السنوات الأخيرة، أصبحت المنصات الرقمية أداة حاسمة لنشر الرواية الفلسطينية مباشرةً إلى الرأي العام العالمي، حيث حوَّل النشطاء الفلسطينيون والمتعاطفون معهم أحداثًا مثل التهجير القسري في حي الشيخ جراح والعدوان على غزة إلى قضايا عالمية عبر هاشتاغات مثل #SaveSheikhJarrah و#GazaUnderAttack، ما أثار تعاطفًا غير مسبوق، خاصة بين الأجيال الشابة في الغرب الذين عبَّروا عن رفضهم لسياسات الاحتلال عبر حملات تضامن واسعة. وقد علَّقت الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزاي على هذا التحوُّل بقولها: “الصمت تجاه معاناة الفلسطينيين لم يعد خيارًا أخلاقيًا في عصر تتدفق فيه الحقائق أمام أعيننا”. من جهة أخرى، شهد الرأي العام العالمي تحولات جذرية، ففي الولايات المتحدة، أظهرت استطلاعات مؤسسة “غالوب” عام 2023 أن 55% من الديمقراطيين يدعمون حقوق الفلسطينيين، مقارنة بـ 22% فقط في 2002، وهو ما اعتبره المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي “ثمرة عقود من المقاومة السلمية وتفنيد الأكاذيب الاستعمارية”. لكن التحدي الأكبر ظل في اختراق التحيز الإعلامي والسياسي المؤسساتي، حيث لا تزال العديد من الوسائل الغربية الكبرى تتعامل مع الرواية الإسرائيلية كمرجعية أولى، وهو ما أشار إليه الرئيس الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا حين قال: “حرية الفلسطينيين هي آخر اختبار أخلاقي للإنسانية”، مؤكدًا على التشابه بين معاناة شعبه تحت الأبارتايد ومعاناة الفلسطينيين. وعلى الرغم من تعثُّر الجهود السياسية لحل الدولتين، فإن الضغط الأخلاقي الدولي تصاعد عبر مبادرات مثل حملة المقاطعة “BDS” التي حظيت بدعم شخصيات بارزة مثل الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك، الذي وصفها بأنها “أداة القرن الحادي والعشرين لمقاومة الاستعمار”. كما ساهمت تقارير منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، التي اتهمت إسرائيل بارتكاب “جرائم فصل عنصري”، في كسر الصمت الدولي، حيث أضاف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “لا يمكن أن تظل مأساة الفلسطينيين خارج ضمير العالم”. رغم ذلك، يرى بعض المحللين، مثل الصحفي البريطاني روبرت فيسك، أن “كسر الصمت لم يترجم بعد إلى عدالة”، في إشارة إلى استمرار الدعم الغربي اللامشروط لإسرائيل، بينما يؤكد القيادي في حركة المقاطعة عمر البرغوثي أن “النضال الفلسطيني حوَّل نفسه من قضية مُهمَّشة إلى رمز عالمي للتحرر، وهذا بحد ذاته انتصار”. هكذا، رغم بقاء “الجدار” السياسي صامدًا أمام حل عادل، فإن المقاومة بكافة أشكالها نجحت في تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية رأي عام عالمي، حيث لم يعد الصمت حاجزًا أمام الحقائق، لكن المعركة الأصعب تبقى في تحويل التعاطف إلى فعل سياسي ملموس.