إنهاء حماس يتطلب انتفاضة شعبية فلسطينية

حميد قرمان

بات ملحا اليوم إثبات كيان الشعب الفلسطيني وعلو صوته، بعد كل ما تعرض ويتعرض له من إجرام تجاوز بحدوده مفاهيم الإبادة، من قتل وتجويع وتشريد وخطر تهجير بات قاب قوسين أو أدنى، بفضل استمرار اليمينين الفلسطيني والإسرائيلي في مشهد الحرب في غزة.

مئة عام من الانتفاضات والثورات والعمل الكفاحي، بدأها الشعب الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني، وتوجت بثورة عام 1929، ومن ثم عام 1936، واستمرت بذات النسق والاندفاعية ضد الاحتلال الإسرائيلي وداعميه.

منذ عقود، والشعب الفلسطيني يحمل شعلة النضال العالمي، وكان الداعم والمحرك لثورات في دول أميركا اللاتينية وقارة أفريقيا وشرق آسيا. وأضحت كوفيته رمزا كفاحيا يُستدل عليه لمحاربة الإمبريالية الساعية لسلب إرادة الشعوب في تحديد مصيرها ونهب ثرواتها.

 

في تحول دراماتيكي كبير في مسيرة الشعب الفلسطيني ونضاله، قادت حركة حماس انقلابا دمويا ضد السلطة الفلسطينية، مستغلة سنوات من نهج تدريجي من خطاب تخويني ذي قواعد ترهيبية ضد مؤسسات السلطة وعناصرها. جرى قتل المئات من الفلسطينيين ورميهم من أعالي المباني.

تجلى وعي الشعب الفلسطيني الحازم في عدم الانجرار لصدام مسلح لمواجهة هذه الخطوة الانقلابية، وأسهمت حينها القرارات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بالانسحاب من مشهد غزة والانخراط مع حماس بحوار من خلال جولات مكوكية في العديد من عواصم عربية وإقليمية ودولية، في إنهاء هذه الآفة التي علقت في مسيرة وسيرة النضال الفلسطيني.

كثيرة هي المؤشرات وعلامات الاستفهام التي تحيط بانقلاب حماس، والمباركة الإسرائيلية في حينه، التي ساهمت في توغل قبضة الحركة الأمنية والعسكرية داخل القطاع. وليس ضعفا في الشعب الفلسطيني في أخذ زمام المبادرة في تحديد حاضره أو مستقبله، بل هروب من سيناريو اقتتال تبرعت به الحركة ذات الفلك الإخواني، بناءً على نماذج حكم من ذات الفلك والأيديولوجيا، تسببت في ضياع دول اختارت أن تبني وجودها على أجساد ومصائر شعوبها.

ليأتي السابع من أكتوبر المشؤوم، وكان الحل الذي أخرج بنيامين نتنياهو ومنظومته اليمينية من دوامة الملاحقات القضائية وموجات الاحتجاجات التي ملأت شوارع تل أبيب مطالبة بإسقاطه. استطاع بحنكته السياسية الخروج من حفرة قبره السياسي، والنجاة بأعجوبة من نحر سياسي سنّت سكينه معارضة ضعيفة لم تستغل الفرص التي أتيحت لها مرارا لإسقاطه في الكنيست.

ماطل نتنياهو بأسلوبه الراقص على حبال السياسة والحرب، وكسب الوقت انتظارا لقدوم دونالد ترامب، الذي تجاوز بمواقفه أي إسرائيلي في تل أبيب، وساق رؤيته ليكون نتنياهو وزمرته خلفه وليس أمامه.

كثيرة هي المقالات التي تناولتها عبر صفحات “العرب”، تحليلات كل فصل من فصول الصراع وتداعياته وارتداداته. وفي بعضها، تنبأت بهبات شعبية في قطاع غزة ضد حكم حماس، الذي لن تتنازل عنه مهما بلغ حجم الضغط العسكري الإسرائيلي وأفضى إلى قتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني.

 

اليوم، كثرت الدعوات الموجهة لحماس للاستسلام وتسليم الرهائن، كون الثمن الذي سيدفع في وجود دعم دونالد ترامب اللامحدود أكبر من أي إنجازات قد تتحقق، هذه إن كانت حماس تستطيع تحقيقها.

مجددا، الدعوات إلى استسلام حماس دعوات غير واقعية، ولا تشكل حلا للأزمة، ولن توقف الإبادة، بل يجب أن يأخذ الشعب الفلسطيني المبادرة، والانتفاضة بوجه حركة حماس وأشكالها التنظيمية وعناصرها الحكومية في القطاع، لتصويب الخلل الذي نعيشه منذ الانقلاب.

لتكن الانتفاضة نتيجة وطنية حتمية، تقود إلى وقف الحرب، ووقف الإبادة، والتصدي لمشاريع التهجير، ومقدمة لإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، التي ستفقد مبررات وجودها حالما ينتهي وجود حكم حماس.

المعادلة ببساطة: نتنياهو لا يريد سلاح حماس، بل يريد أن يقتل الفلسطينيين بذريعة نزع السلاح. ونتنياهو لا يريد الرهائن، بل يريد إبادة سكان غزة بذريعة تحريرهم.

الانتفاضة ضد حماس هي السبيل والطريق لإنهاء وجود منظومة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو. وهي السبيل والطريق بالالتفاف حول متطلبات تحفظ قوة الشعب الفلسطيني، وتجمع قوته، وتصون حقوقه على أرضه في غزة والضفة والقدس.

على العالم أن يسمع صوت الشعب الفلسطيني المختطف تحت وهم استبداد أجندات إقليمية. الانتفاضة هي الرادع المحق في ظل التماهي الملموس بين حماس ونتنياهو في حفاظ كل منهما على الآخر كورقة بقاء وثبات في الحكم والصراع.

 

في تجليات الصراع مع حماس، والحديث عن خيار استسلامها من عدمه، يتضح جليا أن الصراع معها كونها حركة عبثية النهج، يحكمها مرتزقة غير مكترثين بالدماء التي سالت وتسيل وتروي تراب القطاع. هذا يجعلها شريكا أساسيا لنتنياهو في حملة الإبادة، وهذا المنطلق الذي يجب التعامل معه في محاسبتها، التي تبدأ بالانتفاضة عليها.

إنهاء حماس، الذي يراه البعض مستحيلا كونها فكرة أيديولوجية راسخة، لن يكون مستحيلا لو انتفض الشعب الفلسطيني، لينهي مشروعية وجودها في تاريخه النضالي والسياسي. خاصة وأن السلاح الذي بحوزتها لم يعد له تأثير يُذكر، لتبقى جاثمة باسم المقاومة فوق صدور الشعب.

في ظل هذه المنعطفات الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية برمتها، فإن الانتفاضة في وجه حماس لم تعد مجرد رفاهية في مساق النضال الفلسطيني، بل حقيقة أنتجها الواقع القاسي الذي يعيشه مليونا مواطن في القطاع.

إنهاء حماس سيقطع الطريق على بنيامين نتنياهو وجيش الاحتلال وأجهزته في مشروع الإبادة والتهجير الذي يتم العمل به على قدم وساق.

لن يفشل فقط مشروعه في غزة، بل سيفشل مشروعه في غزة والضفة وفي الشرق الأوسط الجديد بأسره، الذي يسير بخطى ثابتة لتنفيذه.

في ظل الحرب والدمار المستمر منذ عام ونصف، أي صمت أو هروب من الواقع، وعدم تغيير الحكم داخل القطاع، يصبح جريمة بحق الغزيين الذين يدفعون الثمن وحدهم.

الأولوية لإنقاذ ما تبقى من غزة، وتخفيف معاناة أهلها الذين أنهكتهم الحرب وأنهكهم الحصار.

عن العرب اللندنية