خبير قمرة لاف دياز يقدم للجمهور خلاصة تجاربه: السينما وسيلة لفهم الإنسانية

تحدّث لاف دياز، المخرج الفلبيني المعروف بأعماله التأملية التي تستعرض روح بلاده الأصيلة وتاريخها المضطرب، عن اعتبار السينما أداة حوارٍ لفهم الإنسانية.

 

وخلال الندوة السينمائية التي قدّمها في قمرة، الحاضنة السينمائية السنوية للمواهب التي تنظمها مؤسسة الدوحة للأفلام، تطرق دياز إلى قسوة الديكتاتوريات التي سحقت بلاده، بينما كان يرسم مقارنات مع واقع اليوم، متحسرًا على أن “جدران الجهل تزداد سُمكًا وارتفاعًا”.

 

وأشار دياز إلى أن صراعات البشرية تزداد حلكة، وحثّ صانعي الأفلام إلى التحرك بسرعة. ووصف السينما بأنها “شعرُ يعكس الواقع الذي نحمله في داخلنا، وصناعة الفن بالنسبة أمر روحي”، وأضاف: “صنعتُ أفلامًا لأفهم واستكشف الروح الفلبينية، الرؤية الفلبينية إشكالية للغاية، أفهمها ولا أفهمها في نفس الوقت”.

 

نشأ دياز في بيت يهتم بشدّة بالكتب، بالأخص الكتب روسية، التي كانت جزءاً من إرث تركه والده الذي كان عاملًا اجتماعيًا ومعلمًا. كما ترعرع بين صفحات كلاسيكيات فيودور دوستويفسكي وليو تولستوي، والذي بدا تأثيرهما جليًا في أفلامه، خاصة فيلم “المرأة التي غادرت” (2016) الذي استوحاه من القصة القصيرة للكاتب الروسي ليو توليستي “الله يرى الحقيقة لكنه يُمهل”، وهو فيلم حائز على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي الـ73.

 

وعن علاقته المبكرة بالسينما، حيث كان يشاهد الأفلام في عطلات نهاية الأسبوع في بلدة مجاورة، قال: “امتلأ رأسي بتلك الصور، وجاءت السينما إليّ بشكل طبيعي”، وشكّلت أحداث أواخر الستينيات الصاخبة وصعود فرديناند ماركوس إلى السلطة منعطفًا في حياته كمخرج.

 

وأضاف: “المكان الذي كنت أسميه الجنة أصبح كابوسًا. أكبر تأثير عليّ كان من فيلم المخرج الشهير لينو بروكا “مانيلا في مخالب النور” (1975). انصدمت عندما شاهدته، كان أول فيلم فلبيني يحمل وعيًا اجتماعيًا، وقد غيّر مفهومي ونظرتي للسينما، وكيف يمكن استخدامها لتغيير الناس”.

ورغم أنه بدأ بصناعة أفلام “بيتو-بيتو” (سبعة أفلام، تُصوَّر في سبعة أيام، وتُنجَز في سبعة أيام)، إلا أن انتقاله إلى الولايات المتحدة وعمله صحفياً في صحيفة فيليبينو ديلي إكسبرس في نيوجيرسي شكّل نقطة تحوّل في مسيرته الإخراجية. كان فيلمه “شارع ويست سايد” (2001)، الذي استمر لخمس ساعات، واستعرض واقع الشتات الفلبيني في أمريكا، نقطة بداية فلسفته الخاصة في فهم الزمان والمكان في السينما.

 

وأشار دياز إلى أنه لا يتفق مع التعريفات التقليدية لأفلام الخيال والوثائقيات، مؤكدًا أن “كلاهما يروي القصص، والخيال هو مرآة الواقع”. وأوضح أن للشعوب في الفلبين وجنوب شرق آسيا نظرة مختلفة تمامًا تجاه الزمان والمكان: “نحن بلد تضربه العواصف باستمرار، حيث العدو هو الطبيعة، فالمكان يدمَّر بالعواصف القوية، والزمن بالنسبة لنا هو انتظار زوالها كما ننتظر نهاية الفساد في بلادنا”.

 

وفي أفلامه مثل فيلم “تطور أسرة فلبينية” (2006)، الذي تصل مدته إلى 11 ساعة واستغرق إنجازه 10 سنوات، يقوم نهجه على فكرة “أن تدخل عالم السينما حتى يتسنى لك رؤية الحياة. لا تتلاعب بها. يجب عليك فقط أن تعرضها وتعيشها”.

ويرى دياز أن العمل في السينما هو عمل في المنفى وفي أنها رحلة وحيدة جدًا، موضحاً: “تفقد الاتصال بالواقع، وتتردد بين الشعر والواقع، الأمر كله يتعلّق بدورات الحياة.”

 

وتعليقًا على الأثر الإيجابي لملتقى قمرة 2025 على الصناعة، قال: “مؤسسة الدوحة للأفلام قائمة منذ 15 عامًا، وقد ساهمت كثيرًا في تطوير السينما في المنطقة. ملتقى قمرة السينمائي يتقدم باستمرار، وقد قطع أشواطًا واسعة في مجال صناعة السينما ودفعها قدمًا. إن وجود بعضٍ من أكبر الموزعين والمبرمجين هنا أمرٌ رائع… وخاصةً لصانعي الأفلام الشباب”.

 

وفي ختام حديثه، وجّه دياز نصيحة في صناعة الأفلام، قائلاً: “فقط افعلها، افعلها وحدك، عِش الصراع، وواجه الحياة واكتب الشعر، وادمج بينهما واستمر في صناعة الأفلام”.