تتجه الولايات المتحدة وإيران إلى عقد مفاوضات مباشرة حول الملف النووي، وهي خطوة قد تكون لها نتائج غير متوقعة، إذا نجحت، وتحدث تطوراً إيجابياً يمكن البناء عليه بما يخدم خفض التوتر وتثبيت استقرار المنطقة، ويقرّب بين وجهات النظر العالمية على قضايا خلافية عديدة ومنها البرنامج النووي لإيران.
في الأسابيع الأخيرة، اندلعت زوبعة من التهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، ترافقت مع تحريك الولايات المتحدة حاملات طائرات وقاذفات وأسلحة استراتيجية، وكأن الحرب ستندلع بين ساعة وأخرى. وكان واضحاً أن كل ذلك، ربما يكون مدروساً، ويحجب «اتصالات بناءة» ووساطات إيجابية جرت بعيداً عن الأضواء، حتى وصلت إلى هذه النتيجة، وهي عقد لقاء مباشر وجهاً لوجه بين الطرفين في سلطنة عمان السبت المقبل.
المشكلة النووية الإيرانية لا يمكن حلها بغير الحوار، وهو ما أنجزته مفاوضات «5+1» وطهران عام 2015، لكن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب قرر، في ولايته الأولى، الانسحاب الأحادي من الاتفاق وانتهج سياسة الضغوط القصوى على إيران لإبرام اتفاق جديد، وقد انتهت مدة رئاسته ولم يعد الطرفان إلى المفاوضات التي ظلت مجمدة طوال ولاية جو بايدن، واليوم يريد ترامب مفاوضات جديدة لإصلاح بعض الخلل الذي شاب الاتفاق الأول. ومجرد الاتفاق على الذهاب إلى مفاوضات مباشرة، يعني أن الاحتقان الواقع بين الطرفين قد بدأ يتنفس، وقد تكون النتيجة النهائية إيجابية للطرفين، وتحقيقها سيخفض إلى حد بعيد التوترات الجارية في المنطقة، والتي زادت مخاطرها بعد العدوان الإسرائيلي الفظيع على قطاع غزة الفلسطيني.
ترامب، زعيم أمريكي مختلف عن سابقيه، فهو رجل يميل إلى الإثارة ويهوى صناعة المفاجآت، وفي أحيان كثيرة يبدو مرناً مع خصوم بلاده أكثر من حلفائها. وله في ذلك تجربة في ولايته الأولى مع كوريا الشمالية، فبعد تبادله تهديدات نارية وتلويح بالحرب وتفاخر بأحجام الأزرار النووية مع كيم جونغ أون، التقى الرجلان في مناسبتين وبدأ مسار من التقارب، ربما سيستأنفانه في وقت قريب، لإخراج الولايات المتحدة من محاور الصراعات، كما يقول ترامب نفسه، وتتفرغ لإعادة بناء اقتصادها ومعالجة ديونها التريليونية وتخفيف أعباء مسؤولياتها بشأن الأمن العالمي، وخصوصاً دعم الحلفاء بالمال والسلاح.
حرص الرئيس الأمريكي على المفاوضات مع إيران، يدخل ضمن حروبه التجارية والرسوم الجمركية، التي فرضها على دول العالم المختلفة. وهذه الحروب أشبه بمقامرة خطرة ينتهجها ترامب ويريد أن يفوز بها، ولذلك فهو يحاول أن يوفر لها أسباب النجاح، مثل فتح أسواق جديدة، وقد تكون السوق الإيرانية في صدارة اهتمامه لما يمكن أن توفره من فرص استثمارية هائلة وانتعاشة للشركات الأمريكية. وهذا الهدف لن يتحقق بسرعة، وسيتوقف مصيره على مسار المفاوضات وطولها، ومواقف شركاء إيران الآخرين، وأولهما روسيا والصين، اللتان تعقدان مشاورات مع طهران حول تطورات برنامجها النووي، مع ترحيب حذر بالمفاوضات المتوقعة مع الجانب الأمريكي. وفي كل هذه المواقف لا تغيب المصالح، وإنما يتم الدفاع عنها بأدوات تواكب مقتضيات كل مرحلة من مراحل الصراع الدولي الواسع.