الدورة 32 إيجابيات وسلبيات

عمر حلمي الغول

بديهي التأكيد أن عقد الدورة ال32 للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومحاكاة شعارها الأساس لعناوين اللحظة السياسية ” دورة لا للتهجير ولا للضم.. الثبات في الموطن، إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب، حماية القدس والضفة الغربية، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة.” يعتبر بحد ذاته أحد الإيجابيات، حيث تأخر عقد هذه الدورة عام ونصف العام من الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وبعد ما يزيد عن 3 أعوام عن الدورة السابقة 31، وهذا يخالف اللائحة الداخلية للمجلس المركزي، التي تنص بشكل واضح، على عقد دورة للمجلس المركزي كل 3 شهور، وشهدت القضية الفلسطينية والشعب والمشروع الوطني تحولات دراماتيكية، لم يسبق أن واجهت مثل هذا التحدي الإسرائيلي الأميركي ومن يدور في فلكهم، الذي مازال جاثما على رأس الشعب الفلسطيني، والذي نقل الصراع الى مربع صراع الوجود، من خلال مواصلة الإبادة الجماعية على قطاع غزة خصوصا وعموم الوطن الفلسطيني، في بلطجة وتغول ووحشية ندر ان عاشتها بعض شعوب الأرض، وليس لمربع الصراع الديني فقط.
وهذا التحول ليس تكتيكيا، ولا هو مجرد شعارات للاستهلاك والابتزاز، وانما هو تحول استراتيجي، أخرج من القمم الصهيوني أخطر اشكال النازية الإسرائيلية في العالم، وأعاد للأذهان شعار الحركة الصهيونية الناظم لمسيرتها النازية “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”، والأخطر من ذلك تمثل في، قيادة وشراكة ودعم الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الغرب الامبريالي، كون إسرائيل اللقيطة تمثل القاعدة الامامية لهم في الوطن العربي، وهم من أسسها وأشاد حصونها، وأغرقها بالسلاح من كل صنوف أسلحة الموت والابادة الأكثر حداثة، ومع ذلك لم يفتح المجلس القوس في البيان الختامي أمام توسيع اشكال النضال والمواجهة مع دولة الإبادة في شروط لاحقة مناسبة لتطوير اشكال الكفاح الوطني التحرري، واعتبر هذه النقطة من السلبيات.
من الإيجابيات البارزة، كان استكمال كوتا المرأة الفلسطينية، حيث أضيف لعضوية المجلس المركزي عدد من النساء لاستيفاء نسبة ال30% من قوام المجلس، وحسب ما ذكر رئيس المجلس الوطني في احد مداخلاته، ان المجلس التشريعي السابق، والان المجلس المركزي للمنظمة باعتماده الكوتا، وتجسيدها في الواقع، يعتبر إضافة هامة ونوعية في مسيرة تعزيز مكانة المرأة، التي لها باع طويل في النضال الوطني، وشريكة أساسية في معارك الدفاع عن القضية والشعب، وفي الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني منذ عام ونصف العام، إضافة الى انها دفعت مع الأطفال ثمنا باهضا من مجمل الشهداء والجرحى، وتحملت، ومازالت تتحمل أثقال هائلة من المسؤوليات في مواجهة النازية الإسرائيلية، ولا يقتصر عطاءها في حدود قطاع غزة، وانما في الوطن والشتات وفي مناطق ال48 والمغتربات.
أيضا النقاش الغني والواسع من قبل أعضاء المجلس المركزي لمختلف القضايا المثارة، والاسهام بتقديم العديد من مشاريع الاقتراحات التي أغنت البيان الختامي للدورة، عكس حرص الأعضاء من الجنسين على نجاح الدورة، وتمثلها في العديد من المفاصل مصالح الشعب والقضية والنظام السياسي ومنظمة التحرير والمشروع الوطني. والعرفان لدور هيئة مكتب المكتب عموما، ورئيس المجلس الوطني خصوصا، رغم الهنات التي حدثت. وكان عنوان وهدف الوحدة الوطنية هاجس لدى الأعضاء كافة، وجميعهم أكدوا عليه، وأعطوه الأولوية في مداخلاتهم، كما ان الرئيس أبو مازن، أكد في كلمته الأخيرة على تكليف أعضاء اللجنتين: اللجنة التنفيذية للمنظمة، والمركزية لحركة فتح بإيلاء هذا الملف الأولوية في اعقاب انتهاء دورة المجلس المركزية، ودعاهم لفتح حوار مع القوى كافة، بغض النظر عن حجم التباين والاختلاف بين القوى السياسية في الساحة الفلسطينية، ولا يفوتني التأكيد على ان التقرير الذي قدمه الرئيس محمود عباس عن أعمال وانجازات اللجنة التنفيذية خلال المرحلة السابقة، كان إيجابي ووضع الأرضية للحوار، رغم وجود بعض النواقص.
ومما لا شك فيه، أن مقاطعة الرفاق في الجبهة الديمقراطية أعمال الدورة في الجلسة المسائية يوم الأربعاء الماضي 23 نيسان / ابريل نتيجة سوء فهم، واحتدام جو النقاش بينهم مع رئيس المجلس الوطني، انعكس سلبا على أجواء الدورة.لأن الجميع كان يتمنى عدم مغادرة أعضاء الديمقراطية جلسات الحوار. كما أن مقاطعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية، ترك بصمات سلبية على مناخ دورة المجلس، رغم انها ليست المرة الأولى، التي يقاطع فيها الرفاق في الشعبية والمبادرة اعمال دورات المجلس الوطني او المركزي. لكن في هذه اللحظة الهامة والتاريخية من مصير ومستقبل الشعب العربي الفلسطيني، كان يفترض مشاركة الجميع، ليعلنوا على الملأ مواقفهم أمام أعضاء المجلس المركزي ليوصلوا رسالتهم، وفي ذات الوقت، يؤكدون على الوحدة الوطنية.
وانا شخصيا، رغم موقفي الثابت من حركة حماس الانقلابية والاخوانية، ومعرفتي بخلفياتهم المتناقضة مع المصالح الوطنية، كنت أتمنى ان يشاركوا مع حركة الجهاد الإسلامي. ولكن قضية المقاطعة في الدورات المختلفة للمجلس المركزي او الوطني ليست جديدة، فتاريخ التناقضات والاختلافات بين المركز وفصائل المنظمة وقوى الإسلام السياسي ليست جديدة، وتحكمها الحسابات والاعتبارات الخاصة، وليس الاعتبار السياسي، وهذا ينطق على حركتي حماس والجهاد الإسلامي بتفاوت.
أيضا من النواقص عدم تحديد آلية لتطبيق قرارات المجلس المركزي القديمة، التي مازالت عهدة لدى اللجنة التنفيذية، واللجنة السياسية، التي شكلت في الدورة 31 لتتولى مهام ترجمة مجمل القرارات في الدورات السابقة، والتي أخشى أن لا ترى النور نتاج انتهاج سياسة الانتظار، التي أثرت على مصداقية المجلس وقراراته، كهيئة قيادية مركزية، وطالبت اثناء مداخلتي حل تلك اللجنة، لأنها لم تقم بواجبها المناط بها.
ورغم ترحيبي بالإضافات من الجنسين لعضوية المجلس المركزي، بدل الشواغر، ولاستكمال كوتا المرأة، الا أني أحذر من الان من التعويم. لأن زيادة العضوية لا تخدم مكانة ودور المجلس المركزي، وإذا كان ولا بد من التجديد فليتم ذلك بدعوة المجلس الوطني للانعقاد في دورة عادية، ويتم إعادة تشكيله وفق ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وبما لا يزيد عدده عن ال350 عضوا. وللحديث بقية في هذا الشأن.