السياسي – كتب أندرو ميلر وفيليب غوردون المسئولان في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن مقالا في مجلة Foreign Policy الأمريكية، أكدا فيه على فشل واشنطن في توفير الإمدادات الإنسانية لغزة وأن إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب تتبنى سياسة العقاب الجماعي بتشديد حصار القطاع.
وأشار المقال إلى أنه في الأسبوع الماضي، نشر السفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، تصريحًا مصورًا بشأن سياسة الولايات المتحدة تجاه غزة وكيف رفض طلبا بممارسة مزيد من الضغط على تل أبيب لتقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة.
وأكد المقال أن رسالة هاكابي كانت صادمة ومقلقة: بربط دعم الولايات المتحدة للمساعدات الإنسانية في غزة بهدف إخضاع المقاومة الفلسطينية وحركة “حماس”، يكون قد تبنّى رسميًا سياسة العقاب الجماعي، وهي سياسة تتنافى مع القانون الأميركي والدولي، وتتناقض مع القيم الأميركية، وتضر بأهداف السياسة الخارجية لواشنطن.
وشدد على الفشل الأمريكي الصريح في ضمان الحماية الكافية وتوفير الإغاثة الإنسانية لشعب غزة. فقد ثبت أن تحقيق توازن بين دعم “إسرائيل” وبين الحاجة لحماية المدنيين في غزة، كان أمرًا مستحيلاً على الأقل بالنسبة لواشنطن.
وأشار المقال إلى أن إدارة بايدن “بذلت جهودًا حثيثة لتحسين الأوضاع في غزة، رغم أنها لم تكن كافية أبدًا”.
فعندما أعلن وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك، يؤاف غالانت، في بداية النزاع عام 2023، عن فرض “حصار كامل” على غزة يشمل الغذاء والماء والكهرباء، سارع الرئيس جو بايدن إلى توضيح أن هذا غير مقبول، واضطرت “إسرائيل” إلى التراجع.
كما عيّن بايدن مبعوثًا خاصًا للتعاون مع السلطات الإسرائيلية والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، عمل بلا كلل لتعظيم إيصال المساعدات للمدنيين الفلسطينيين. وفي مئات المكالمات والاجتماعات والرسائل من مختلف مستويات الإدارة، ضغطت الولايات المتحدة للسماح بدخول المزيد من المساعدات، وقد فعلت “إسرائيل” ذلك على مضض ودائمًا بشكل غير كافٍ.
-ضوء أخضر كامل من ترامب
أما الآن، فإن ترامب، من خلال تأييده لاستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستخدام المساعدات كورقة ضغط، يجعل من الكارثة الإنسانية في غزة هدفًا رسميًا للسياسة الأميركية.
وبغياب الضغط الأميركي، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، غدعون ساعر، في 2 مارس، أن “إسرائيل” تخطط لفرض “حصار شامل” على غزة، بما في ذلك إغلاق جميع المعابر.
ومنذ ذلك الحين، لم تدخل أي شحنات من الغذاء أو المياه أو الكهرباء إلى القطاع، بينما تحذر المنظمات الإنسانية من أن 2.1 مليون مدني فلسطيني — بينهم نحو مليون طفل — يواجهون خطرًا حادًا من المجاعة والأوبئة والموت.
وفي 25 أبريل، أعلنت منظمة الأغذية العالمية عن نفاد مخزونها من المواد الغذائية المخصصة لغزة، ما أنهى المصدر الأساسي للقوت لمئات آلاف الفلسطينيين. كما اضطرت الأمم المتحدة لتعليق حملة تطعيم ضد شلل الأطفال لـ600 ألف طفل — كانت الولايات المتحدة قد دعمتها بقوة — مما يزيد من خطر تفشي هذا المرض المنهك في غزة.
وفي 18 مارس، عندما خرقت دولة الاحتلال وقف إطلاق النار الذي ساعد ترامب في التوصل إليه، لزم الرئيس الصمت، بل إنه كان قد أعطى نتنياهو الضوء الأخضر مسبقًا.
وبعد أيام، تنصّل ترامب أكثر من المسؤولية بقوله: “هذه ليست حربنا، بل حربهم”. وتقوم “إسرائيل” الآن بانتهاك جميع المبادئ الدولية بما في ذلك: لا حصار ولا تقليص للأراضي ولا تهجير قسري للفلسطينيين ولا إعادة احتلال دون أي اعتراض من ترامب.
وشدد المقال على أن دعم ترامب للحصار الإسرائيلي على غزة لا يُعد فشلًا أخلاقيًا ومأساة للفلسطينيين فحسب، بل إنه لن يُساعد “إسرائيل” في تحقيق أهدافها بل على العكس، فبينما قد يخدم الحصار واستمرار الحرب مصالح نتنياهو السياسية، فإن السعي نحو “النصر الكامل” يهدد حياة الأسرى الإسرائيليين المتبقين، الذين تزداد فرص إعادتهم أحياءً من خلال اتفاق تفاوضي لا من خلال القوة.
كما يُقوض الحصار الإنساني أي فرص لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية أو الدول العربية والإسلامية الأخرى، ويُعرّض الإسرائيليين أكثر للملاحقة القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية.
كما أن خضوع ترامب الكامل لنتنياهو في هذه الحرب يضر بالمصالح الأميركية. فقد تضررت سمعة الولايات المتحدة عالميًا بشكل بالغ، وستتضرر أكثر إذا دعمت واشنطن سياسة تنتهك بوضوح ليس فقط القانون الدولي، بل قانونها الخاص.
كما أن ما يُنظر إليه على أنه نفاق أميركي — عبر إدانة غزو روسيا لأوكرانيا وحصارها، مقابل التغاضي عن حصار غزة — يُضعف قدرة الولايات المتحدة على دعم أوكرانيا وعلى الدفاع عن مبدأ عدم العدوان عالميًا.
وخلص المقال إلى أنه يجب محاسبة ترامب على سياساته تجاه غزة، فهو لا يكتفي الآن بعدم التحرك لحماية ملايين المدنيين في غزة، بل يتبنى علنًا سياسة معاقبتهم. قد يمنح ترامب نتنياهو غطاءً لاتباع سياسة غير أخلاقية وغير قانونية وغير مجدية، لكن لا ينبغي أن منحه نفس الغطاء من الشعب الأمريكي.