الحملة التي تقودها إدارة ترامب ضد الجامعات الأمريكية بذريعة ما يسمى «معاداة السامية»، تحولت إلى نوع من المبارزة بين رئيس محافظ يعتبر الجامعات معقلاً ل «اليساريين والراديكاليين»، وبالتالي، لخصومه الديمقراطيين، وبين جامعات ترفض الخضوع لسياسات تريد طمس تاريخها العريق وتجريدها من حريتها واستقلالها، وسط مخاوف من الدور الذي يمكن أن تؤديه هذه الجامعات في تغيير الفضاء السياسي الأمريكي.
ومع أن الاحتجاجات التي اندلعت في معظم الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، قوبلت بالقمع واعتقل الكثير من طلابها وأوقفوا عن الدراسة وأخضعوا لإجراءات تأديبية، فإن إدارة ترامب الجديدة، لم تكتف بذلك، ووجدت الفرصة مناسبة للانتقام، ولو بأثر رجعي، من خلال ترحيل الطلبة الأجانب ممن تعتبرهم «مثيري الشغب»، وفرض هيمنتها المطلقة على هذه الجامعات في إطار سياسة عامة انتهجتها الإدارة للسيطرة على كل المؤسسات التعليمية وغير التعليمية.
ولتحقيق هذه الغاية، لجأت إدارة ترامب إلى ممارسة ضغوط هائلة على الجامعات عبر وقف التمويل، وسحب الإعفاءات الضريبية ومنع تسجيل الطلاب الدوليين وغيرها. لكن الكثير من هذه الجامعات رفضت إجراءات الإدارة ومطالبها، ودفعت بعضها للذهاب إلى القضاء، كما دفعت مجموعة من جامعات النخبة، وبينها 10 جامعات مرموقة تعد من بين الأفضل في العالم، إلى تشكيل تحالف لمواجهة ضغوط الإدارة ومحاولات تدخلها في شؤونها الأكاديمية وتمويل أنشطتها البحثية، وفق ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال».
هذا التحرك جاء بعدما رفضت جامعة هارفارد سلسلة مطالب من البيت الأبيض بإجراء تغييرات شاملة في سياساتها الثقافية والأكاديمية، وبعدما تم تجميد تمويل فيدرالي للجامعة بقيمة 2,2 مليار دولار ومراجعة منح وعقود لها بنحو 9 مليارات دولار. كما جاء هذا التحرك بعدما صعّد ترامب حملته على جامعة هارفارد، متهماً إياها ببث «الكراهية والغباء وأنها لم تعد مكاناً لائقاً للتعليم»، متجاهلاً أن هذه الجامعة تأسست قبل أربعة قرون، وأنه قد تخرج من صفوفها 162 فائزاً بجوائز نوبل. لكن الأمر لم يقتصر على تحالف جامعات النخبة، الذي قيل إنه يتحرك بشكل سري، إذ سرعان ما ظهرت أصوات أكاديمية مهمة للتنديد علناً بالتدخل الحكومي في الجامعات مثل العريضة المشتركة التي أصدرتها أكثر من مئة جامعة وكلية أمريكية ووقع عليها أكثر من 500 من كبار الأكاديميين.
اللافت في هذه المواجهة القائمة بين الجامعات وإدارة ترامب أنها تحمل في طياتها ما هو أبعد من معاقبة المحتجين على حرب غزة، وتعيد الصراع حول الهوية والثقافة والمؤسسات التي يحاول إنتاجها الفكر الشعبوي على حساب الإرث التاريخي والحضاري، وصولاً إلى الدور الذي أدته الجامعات أثناء الحرب الفيتنامية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وما يمكن أن تؤديه لاحقاً في إحداث تغيير سياسي أمريكي، من دون إغفال حقيقة أن الاحتجاجات على حرب غزة فتحت باباً للحوار كان حكراً على رواية بعينها لعقود طويلة.
الخليج الاماراتية