*استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بكلية
التجارة جامعة اسيوط والعميد الاسبق للكلية -مصر
قبل ان يحضر الرئيس الامريكي دونالد ترامب الي الخليج في زيارته المرتقبة له بعد ايام ، فجر لغما سياسيا كان يعرف انه سوف يثير عاصفة من ردود الافعال العربية والايرانية التي ستتراوح مابين ردود افعال ايرانية غاضبة ومحتجة ورافضة ، وردود فعل عربية مرحبة ومتجاوبة او في اسوأ الاحوال باردة او لا مبالية.. وعندما يصطدم هذا كله ببعضه، فان كل تلك الدول سوف تكون هي الخاسر الاكبر فيها….ولتكون امريكا واسرائيل هما اكثر الرابحين منها..
اما عن لغم ترامب السياسي او بالاحري قنبلته الموقوتة ، فهو انه سوف يعلن من العاصمة السعودية الرياض ان بلاده سوف تطلق رسميا علي الخليج الفارسي مسمي الخليج العربي، وهو ما كانت ترفضه باستمرار وتري انه ليس للعرب حق فيه، وان الخليج فارسي وليس عربيا.. وهو ما جاءت الآن لتعدل عنه ولتغير موقفها منه ، وليصبح هذا المسمي الجديد ، هو الاسم المعتمد امريكيا لهذا الخليج في كافة الاطالس الجغرافية والوثائق. الرسمية الامريكية من الآن فصاعدا..
هذا الاعلان الخبيث في دوافعه واهدافه وتوقيته ، خلافا لما قد يبدو عليه في الظاهر، سارعت الحكومة الايرانية علي لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي الي شجبه وادانته بذريعة انه يعبر عن نوايا عدوانية امريكية تجاه ايران وشعبها ، فضلا عن انه يشكل اهانة كبيرة لها ، الي آخر ما جاء في البيان الرسمي الايراني حول هذا الموضوع بحساسيته البالغة بالنسبة لايران. وهو امر له خلفيات سابقة وتاريخ طويل..
ياتي هذا القرار الامريكي االملغوم والمسموم وسط هذا المحيط الهادر من الاهوال والنكبات والصدمات والازمات التي تدمر العديد من بلدان المنطقة العربية وتمحو لها معالمها وتغرقها في دوامة سحيقة وغير مسبوقة من العنف والفوضي والخراب ، والتي تقف امريكا واسرائيل وراءها كلها وتعتبره طريقها الي بناء شرق اوسط جديد يتيح اندماج اسرائيل فيه في اطار منظومة اقليمية جديدة من العلاقات والتوازنات والسياسات والاولويات..
وهذه الاوضاع المخيفة من العنف والفوضي الاقليمية الشاملة كانت هي الاجدر بان يوجه الرئيس الامريكي اهتمامه الاكبر اليها، وليكرس لها كل طاقاته وجهوده الدبلوماسية حتي يكون عند وعوده الانتخابية بانه سوف يجيئ الي البيت الابيض هذه المرة كداعية سلام دولي، ولينتشل العالم ، وفي المركز منه الشرق الاوسط، من هذه المحارق المشتعلة التي تلتهم موارده وتحرم شعوبه من حقها في الحياة الطبيعية الآمنة.. وهذا هو ما ظل يعد ويبشر به.. لكن افعاله جاءت مناقضة تماما لاقواله وتنكرا لوعوده.. وليظهو وجهه علي حقيقته..
.
تغيير اسم الخليج من فارسي الي عربي هو امر لا قيمة او اهمية حقيقية له، وهو مناورة تكتيكية ساذجة وغبية وغالبا ما سوف تفشل لانها تاتي خارج السياق وبلا مناسبة .. ولان هدفها كما افهمه، هو اشغالنا بهذا الامر الشكلي التافه وتحويل انتباهنا عن ما هو اهم واخطر بكثير من مسمي خليج او محيط او مضيق ، ولتعميق هوة الخلاف بين العرب وايران وزيادة تباعدهما عن بعضهما بافتعال ازمة جديدة في دائرة علاقاتهما المتبادلة ، ولتشتيت انتباه القيادة السياسية الايرانية في توقيت قاتل لا يحتمل مثل هذه المناورات والالاعيب الامريكية والاسرائيلية التي لا يمكن الا ان تكون من عمل اجهزة مخابرات لا شاغل لها الا الدس والوقيعة والصيد في الماء العكر بالضرب علي الاوتار القومية الحساسة التي تشعل الخلافات وتفاقم من حدة التوترات والخلافات بين الدول والحكومات ، وتزيد من تباعد الشعوب والمجتمعات عن بعضها .. وهذا هو ما يجب ان نحذره وان نتكاتف معا كعرب وايرانيين لنحبطه ونفشله.. واذا كان ترامب سوف يغير مسمي الخليج ويسميه كما يريد ان يسميه، فهذا شانه ولا يعنينا.. ولن يؤثر ذلك علينا ان سلبا او ايجابا باي شكل من الاشكال.. ولنكن علي اقتناع تام ، باننا امام رئيس امريكي يستخف ويهزأ بنا ويضحك علينا ويري فينا فريسة يسهل التهامها ومنجما يريد ان يغرف منه علي قدر ما يستطيع ، رئيس سوف يجيئ بعد بضعة ايام الي اغني دول هذه المنطقة من العالم وهي الدول الخليجية الكبيرة ، دول النفط والمال بلا حدود ، لياخذ منها التريليونات وليعطيها في مقابلها الفتات والوعود المعسولة واوهام الحماية الكاذبة.. واذا كانت هذه الدول تصدقه وينطلي عليها نصبه والاعيبه، فهذا شانها وهي حرة في ما تفعله لنفسها.. ويبقي املي في الايرانيين الا ينجروا وراءه وينشغلوا بهذه القضية التافهة حتي لا يمكنوه من تحقيق ما اتي الينا من اجله.. ولعل ذكاءهم المعروف عنهم لا يخونهم هذه المرة…..