السياسي – قالت صحيفة الغارديان البريطانية إنه مع انطلاق جولته في الشرق الأوسط يتطلع دونالد ترامب لتحقيق نصر كبير في ملف السياسة الخارجية.
لكن الفرصة الحقيقية أمامه لا تكمن في صفقات الأسلحة أو الاستعراضات الدبلوماسية، بل في موقف حاسم يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح: الضغط على الحكومة الإسرائيلية للموافقة على وقف إطلاق نار دائم مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى في غزة.
وذكرت الصحيفة أنه حتى الآن، يفضل ترامب تجنب هذه القضية المعقدة، لكن لا يملك أي زعيم آخر النفوذ الكافي لإجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إنهاء الحرب.
فالدعم الأمريكي غير المشروط هو ما يمنح دولة الاحتلال الغطاء لاستمرار حملتها العسكرية، التي باتت توصف علنًا بمشروع “تدمير شامل”.
-غزة تحت النار: أرقام مروعة
منذ 7 أكتوبر 2023، أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عن قتل أكثر من 52,000 شخص في غزة، وفقاً للسلطات الصحية المحلية. الغالبية الساحقة من الضحايا هم من المدنيين، بينهم آلاف الأطفال.
وقد تم تدمير المخابز والمستشفيات والمدارس، فيما تواجه غزة مجاعة خانقة بسبب الحصار ومنع دخول المساعدات لأسابيع طويلة.
في الأيام الأخيرة، صعّدت الحكومة الإسرائيلية من خطابها التصعيدي، مهددة بتسوية غزة بالأرض وتهجير سكانها قسرًا نحو منطقة ضيقة أُطلق عليها زورًا “منطقة إنسانية”، أو دفعهم للفرار إلى الخارج. وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قالها صراحة: “غزة ستُدمر بالكامل” و”تحرير الأسرى ليس أولوية”.
-اتهامات بالإبادة الجماعية تتزايد
التصريحات الإسرائيلية لم تمر مرور الكرام. جوزيب بوريل، المفوض السامي السابق للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، علّق قائلاً: “نادرًا ما سمعتُ زعيم دولة يُحدد بوضوحٍ خطةً تُناسب التعريف القانوني للإبادة الجماعية”.
من جهتها محكمة العدل الدولية كانت قد قضت في يناير 2024 بوجود “خطر محتمل” بحدوث إبادة جماعية في غزة.
منظمة العفو الدولية، وخبراء حقوقيون في الأمم المتحدة، إضافة إلى أكاديميين إسرائيليين بارزين، خلصوا إلى أن ما يجري في غزة يندرج ضمن أركان جريمة الإبادة الجماعية، كما حددتها اتفاقية الأمم المتحدة: القتل الجماعي، تدمير سبل العيش، فرض ظروف معيشية قاتلة، وكلها “بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية”.
رغم ذلك، لا تزال “إسرائيل” تتمتع بحماية دولية قوية، بفضل تحالفها مع الولايات المتحدة والغرب، وبزعم حماية أمنها القومي وحقها في الدفاع عن النفس.
والمساعدات العسكرية الأمريكية والغطاء السياسي في المحافل الدولية مكّنا تل أبيب من المضي قدماً في خططها دون عقاب.
والولايات المتحدة سبق أن أعلنت وقوع إبادة جماعية في العراق وسوريا وميانمار والصين والسودان، دون انتظار حكم القضاء الدولي. لكن في الحالة الفلسطينية، يبدو أن الحسابات السياسية تطغى على المبادئ القانونية والإنسانية.
اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، التي وقعت عليها الولايات المتحدة، تُلزم واشنطن ليس فقط بمعاقبة مرتكبي الإبادة، بل بمنعها أيضاً. ومع ذلك، لم تبادر الإدارة الأمريكية بأي خطوات جادة لوقف المجازر في غزة.
-فرصة ترامب الأخيرة
رغم انتقاداته السابقة لمغامرات الحروب الأمريكية، أبدى ترامب لامبالاة واضحة حيال حياة الفلسطينيين. خططه المعلنة لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد تهجير سكانها، تعكس انسجاماً مقلقاً مع توجهات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
لكن لا يزال ترامب يملك وحده النفوذ اللازم للتأثير على القرار الإسرائيلي. فهو القادر على وقف الإبادة عبر الضغط السياسي والاقتصادي، وربط استمرار الدعم الأمريكي بوقف الحرب والتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الأسرى وإنهاء العدوان.
إنها لحظة تاريخية نادرة قد تُخلّد اسم ترامب كصانع سلام حقيقي، لا كراعٍ لسياسة الأرض المحروقة. فالسؤال اليوم لم يعد: “هل تحدث إبادة جماعية في غزة؟” بل: “متى ستتحرك الولايات المتحدة لوقفها؟”.