هل خُدع العرب بصراع مزيف بين نتنياهو وترامب؟

د. بسام روبين

في عالم السياسة، لا شيء يحدث صدفة، فالحقائق كثيرا ما تخفى خلف ستار الدبلوماسية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بعلاقات تجمع بين زعماء يشكلون تحالفات إستراتيجية تسعى إلى إعادة رسم خريطة المنطقة ،

وما بدا للعلن كخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يكن في حقيقته إلا تنسيقا استراتيجيا لتحقيق أهداف متشابكة، بدأت بتقويض أي فرصة لحل عادل للقضية الفلسطينية، ومرورا بدفع أنظمة عربية نحو التطبيع، وصولا إلى إستنزاف ثروات الشعوب العربية وإبقائها في دائرة الفقر.

وقد بدأت ملامح مسرحية الخلاف  تتضح مع إحجام ترامب عن ممارسة أي ضغط حقيقي على نتنياهو لوقف حرب الإبادة على غزة، وتبنيه لخطاب يدعو لتهجير الفلسطينيين، وإشتراطه التطبيع مع سوريا مقابل رفع العقوبات عنها، مع إستمرار الطرح الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين، وهو ما يعكس أجندة التيار الصهيوني المتطرف.

ولم تشفع لدى ترامب تلك التريليونات التي جلبها من العرب لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الركود، فقد بقي ملتزما بدعم إسرائيل بلا حدود.

وهنا يبرز السؤال الجوهري

هل يعقل أن يكون هناك خلاف حقيقي بين ترامب ونتنياهو، في وقت كانت فيه السياسات الأمريكية والإسرائيلية تسير في مسار واحد دون إنحراف؟

فالسياسيون لا يختلفون علنا إلا إذا كان ذلك يخدم مصلحة مشتركة. وفي هذه الحالة، كان الهدف هو  إيهام العرب بأن هناك فرصة حقيقية للتفاوض، وأن إسرائيل ليست على وفاق كامل مع حليفتها الكبرى، مما يفتح الباب لبعض القيادات العربية للإنخراط في صفقات استثمارية تحت ذريعة إمكانية تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية.

لكن الحقيقة كانت مختلفة تماما، فبينما كان ترامب يبدو غاضباً من نتنياهو، كانت إدارته تسرع من وتيرة التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، وتروج لفكرة تهجير الفلسطينيين إلى دول مثل ليبيا.

بمعنى آخر، كان الخلاف مجرد إستعراض إعلامي، بينما كانت السياسات الميدانية تسير وفق تنسيق دقيق ومخطط له بين الطرفين.

وبعد أن عاد ترامب بتريليونات الدولارات من العالم العربي، تبين أن ما بدا خلافات لم يكن سوى دخان سياسي، فنتنياهو لم يتخلى عن سياسات الإبادة والتهجير، وترامب واصل دعمه غير المشروط لإسرائيل،

بل على العكس، كانت تلك المرحلة من أكثر الفترات التي شهدت تنسيقاً عميقاً بين الطرفين.

فهل خُدع العرب مرة أخرى؟

للأسف، نعم.

فبدلا من توحيد الصفوف لمواجهة المشروع الصهيوني، إنجرفت بعض الأنظمة والأوساط السياسية إلى فخ التفاوض الوهمي، بينما كانت الصفقات تبرم سرا خلف الكواليس.

لقد علمنا التاريخ أن الزعماء لا يختلفون أمام الكاميرات إلا إذا كان ذلك يخدمهم، والخلاف المزعوم بين ترامب ونتنياهو لم يكن سوى جزء من مسرحية كبرى لتمرير مشاريع إستعمارية تحت غطاء خلافات الدبلوماسية،

وفي السياسة، لا ينبغي أن نصدق الدخان، بل علينا أن نبحث عن النار المختبئة خلفه.

ويقال ايضا إذا رأيت خصمين يتشاجران أمامك، فابحث جيداً عن الأموال والإتفاقيات التي يبرمونها من خلف ظهرك.

وأتمنى لهذه الأمة ان تستيقظ وتتخذ موقفا تنسيقيا حازما ضد إسرائيل وأن تسارع بإدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء الى سكان غزة المحاصرين الذين يدفعون وحدهم ثمن التواطؤ والصمت مدافعين عن شرف هذه الأمة .