ملفات زيارة لبنان

عمر حلمي الغول

وصل الرئيس محمود عباس مع الوفد المرافق له العاصمة اللبنانية بيروت أمس الأربعاء 21 أيار / مايو الحالي، بعد نحو 8 سنوات من زيارته السابقة، وهو أول رئيس عربي يزور لبنان بعد تولي الرئيس جوزف عون مهامه الرئاسية، الذي التقاه الرئيس الفلسطيني ظهر أمس في قصر بعبدا ، وتأت الزيارة في ظرف سياسي دقيق، حيث شهد لبنان الشقيق تحولات هامة منذ النصف الثاني من العام الماضي 2024 بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية على لبنان من الجنوب الى الشمال الى البقاع والعاصمة بيروت وخاصة الضاحية الجنوبية، وكان من نتائجها توجيه ضربات شديدة لحزب الله بعد عملية البيجرز في 17 و18 أيلول / سبتمبر الماضي التي أودت بحياة ما يزيد على 3000 ضحية من كوادر الحزب، وسبقها اغتيال فؤاد شكر الرجل الثالث في الحزب 30 تموز / يوليو الماضي، وقيادة قوات الرضوان، القوة المركزية في الحزب، ثم اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله في 27 من ذات شهر سبتمبر وخليفته هاشم صفي الدين في 3 تشرين اول / أكتوبر 2024، التي تركت بصمات وندوب كبيرة على مكانة الحزب في المشهد اللبناني، وسمحت لاحقا بانتخاب الرئيس جوزف عون مطلع هذا العام 2025، ثم تشكيل حكومة نواف سلام مطلع شباط / فبراير الماضي، وأعقب ذلك توقيع اتفاق بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة وفرنسا في تشرين ثاني / نوفمبر الماضي، وعلى إثر ذلك انسحبت القوات الإسرائيلية من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة في الجنوب باستثناء بقاء جيش العدو الإسرائيلي في 5 نقاط مركزية على الحدود الفاصلة بين فلسطين التاريخية ولبنان.
هذه التحولات الدراماتيكية منحت العهد الجديد رسم سياسة جديدة، عنوانها سيادة الدولة اللبنانية على مقاليد الأمور في الساحة اللبنانية، وتأكيدها على مبدأ أساس يرتكز على قاعدة: نظام سياسي واحد، وسلاح وأمن واحد بقيادة الدولة والحكومة اللبنانية، ووافقت قيادة الحزب بقيادة الأمين العام الجديد نعيم قاسم على تولي النظام السياسي اللبناني المسؤولية الأولى في البلاد.
وكانت الضرورة تملي هذه الزيارة لرئيس دولة فلسطين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني لبحث الملفات الأساسية الثلاث: الملف السياسي والملف الاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والملف الأمني العسكري. لا سيما وأنها عناوين أساسية تهم البلدين والشعبين والقيادتين لتنظيم العلاقات الثنائية المشتركة، وتعزيز مكانة النظام السياسي اللبناني وسيادته على ارضه.
وهذا ما عكسه البيان المشترك الصادر عن لقاء الامس بين الرئيسين أبو مازن وعون، الذي جاء فيه: التأكيد على العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، والتزامهما بتعزيز أواصر التعاون والتنسيق بينهما؛ وتجديد التأكيد على دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967؛ وادان الطرفان استمرار العدوان على قطاع غزة وما نتج عنها من خسائر بشرية فادحة وكارثة إنسانية غير مسبوقة؛ واكد الوفدان على ضرورة تفعيل دور الأمم المتحدة ومؤسساتها في توفير الحماية للشعب الفلسطيني وضمان احترام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية؛ وشجب الجانبان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، ويدعوان واشنطن وباريس الى الضغط على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل اليه برعاية الدولتين في تشرين ثاني / نوفمبر الماضي؛
وفي الملف الثاني المتعلق بوضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تم التأكيد على: تمسكهما بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي هجروا منها، وفقا للقرار الاممي 194، ورفضهما كل اشكال التوطين والتهجير؛ وشددا على على أهمية استمرار دعم وكالة “الاونروا” ومواصلة تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين؛ واتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة لبنانية فلسطينية لمتابعة ملف أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، والعمل على تحسين الظروف المعيشية والإنسانية للاجئين، مع احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين اللبنانية؛ وأكدا التزامهما بتوفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بما يضمن لهم حياة كريمة دون المساس بحقهم في العودة أو التأثير على هويتهم الوطنية؛
وفي الملف الثالث، أي مجال الأمن والاستقرار: يؤكد الجانبان التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وإنهاء أي مظاهر مخالفة لذلك، وأهمية احترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه؛ وشددا على تعزيز التنسيق الأمني بين السلطات اللبنانية والفلسطينية لضمان الاستقرار داخل المخيمات الفلسطينية ومحيطها؛ واكدا على ضرورة التزام الجانب الفلسطيني بعدم استخدام الأراضي اللبنانية كمنطلق لأي عمليات عسكرية، واحترام سياسة لبنان المعلنة، والمتمثلة بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والابتعاد عن الصراعات الإقليمية، واتفقا على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان عدم تحول المخيمات الفلسطينية الى ملاذات آمنة للمجموعات المتطرفة.
ويمكن التأكيد ان ما تضمنه البيان عكس المصالح المشتركة للشعبين والبلدين والقيادتين، وهو ما يفرض على الحكومة اللبنانية الشروع فورا من خلال اللجنة المشتركة بين الجانبين على السماح بحرية العمل دون قيود وموانع، ومنح اللاجئين الفلسطينيين الحق بالتملك للسكن بعيدا عن الإجراءات السلبية، التي تبقيهم أسرى الاستغلال المهين من قبل البعض اللبناني، وعلى أرضية الالتزام بالقوانين اللبنانية الناظمة للمجتمع اللبناني، ودون التدخل في الشأن اللبناني الداخلي من قبل أي طرف فلسطيني تحت أي اعتبار. لأن الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينية هي منظمة التحرير ودولة فلسطين. وبالتالي فإن الزيارة إذا ما تم الالتزام ببنود البيان، تكون حققت أهدافها، وخدمت مصالح الشعبين والقيادتين.