السياسي – نشرت شبكة “سي أن أن” الأمريكية تحليلًا لستيفن كوليسون، قال فيه إن زيارة البيت الأبيض لم تعد رحلة مرغوبة من قادة العالم، بقدر ما باتت تثير الخوف من أن تكون فخًا سياسيًا.
وبات قادة الجنوب، مثل جنوب أفريقيا، يتطلعون إلى الصين بدلًا من الولايات المتحدة.
وجاء تعليق كوليسون بعد مفاجأة الرئيس دونالد ترامب لضيفه من جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا، بعرض فيلم احتوى على مزاعم عن تعرّض البيض الأفريكان في جنوب أفريقيا للإبادة.
وقال كوليسون إنه نظرًا للمخاطر السياسية المتزايدة للظهور في المكتب البيضاوي، لن يكون من المستغرب أن يعيد بعض القادة النظر في ما كان في السابق دعوة مرغوبة، لكنها أصبحت الآن مواجهة بعواقب دبلوماسية.
وأضاف أن رئيس جنوب أفريقيا كان يعرف ما يحضّر له، حيث أحضر معه وزير الزراعة الأبيض، ووفدًا متعدد الأعراق من حكومته.
وتم إحضار صديقي ترامب في جنوب أفريقيا، لاعبي الغولف إيرني إيلس وريليف غوسين، لكن هذا لم يمنع الرئيس الأمريكي من إطفاء الأنوار وعرض فيلم دعائي يميني عن جنوب أفريقيا. وقال، وهو يعرض مقالات عن قتل البيض الأفريكان: “الموت، الموت، الموت”.
وتُعد مسألة ملكية الأراضي العادلة من أكثر مخلفات سنوات حكم الأقلية في جنوب أفريقيا تعقيدًا. ولكن، كما أوضح رامافوسا، لا توجد محاولة منهجية للقضاء على مجتمعٍ على أساس العرق أو الإثنية، وهو تعريف الإبادة الجماعية. وأكد رامافوسا أن معظم ضحايا جرائم العنف هم من السود.
وقال الكاتب إن كل لقاء في البيت الأبيض بات يخيم عليه شبح اللقاء الكارثي في شباط/فبراير بين ترامب ورئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، والذي تعرّض لهجوم من ترامب ونائبه، جيه دي فانس.
ويبدو أن رامافوسا قد تعلم من الدرس، فهو، وإن بدا مرتبكًا، حاول بأناة أن يشرح لترامب الحقائق، لكن الأخير كان مصرًا على أن المزارعين “يُعدمون وهم بيض ومعظمهم مزارعون. لا أعرف كيف تفسر ذلك”.
وقال الكاتب إن التقاط الصور في جلسة البيت الأبيض يُعتبر بالنسبة للكثير من الرؤساء أمرًا مملًا، ويسرع الصحافيون إلى المكتب البيضاوي لسماع كل زعيم وهو يلقي عبارات مبتذلة حول العلاقة الوثيقة بين البلدين. وفي بعض الأحيان، يُسمح لهم بطرح بعض الأسئلة قبل أن يُدفعوا إلى الخارج لانتظار مؤتمر صحافي رسمي في وقت لاحق من اليوم.
ولكن الأمر تغيّر في ولاية ترامب الثانية، فقد زالت حواجز اللياقة التي تميّز بها في ولايته الأولى، وأصبح المكتب البيضاوي الآن أكثر ازدحامًا وصخبًا.
وعادة ما يجلس فانس على أريكة البيت الأبيض مع بقية أفراد الحكومة، منتظرًا فرصته للقفز، وهذا دور غير عادي لنائب الرئيس. وخلال إدارة أوباما، غالبًا ما كان نائب الرئيس آنذاك، جو بايدن، يتجنب الأضواء ويقف في الجزء الخلفي من الغرفة.
أما اليوم، فيُضطر زوار ترامب إلى مواجهة وسائل الإعلام التي تروّج لشعار “ماغا”، أو “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”.
وخلال زيارة زيلينسكي، سئل، وكان يرتدي سترة ميدانية عسكرية تكريمًا لجنود الخطوط الأمامية، لماذا لا يرتدي بدلة لإظهار الاحترام للرئيس واللقاء.
ورغم أن الكثير من المشاكل في جنوب أفريقيا بعد مرحلة الفصل العنصري لا تزال قائمة، حيث لم تساعد سنوات حكم المجلس الوطني الأفريقي، الذي تزعمه نيلسون مانديلا، في وقف الفساد والخلل الوظيفي، إلا أن هذه ليست مشكلة ترامب.
فقراره الحديث عن إبادة البيض، وعرض فيلم يقوم على مزاعم وادعاءات، كان يهدف لمخاطبة قاعدته من “ماغا”، وهي ماركة تقوم على العرقلة والتعطيل. وبالنسبة لترامب، لعب دور الشخص القادم من الخارج.
فقد عاد مرة ثانية إلى البيت الأبيض بهدف تمزيق التقاليد السياسية الدولية والأعراف التجارية التي يقول إنها تسرق أمريكا، القوة العظمى. ولا توجد طريقة لإظهار هذا للأمريكيين أفضل من مواجهة زواره والتقليل من قيمتهم أمام عدسات التلفزيون.
وربما كان الخطاب من ترامب موجهًا لصالح شخص واحد، وهو إيلون ماسك، المولود في جنوب أفريقيا، والملياردير الذي كان حاضرًا يوم الأربعاء في المكتب البيضاوي، وبعدما اشتكى على منصته “إكس” من التمييز ضد البيض الأفريكان من جنوب أفريقيا.
كما وجدت أفكار ماسك اهتمامًا أثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى المكتب البيضاوي، عندما اشتكى فانس مما وصفه بحملات قمع حرية التعبير في بريطانيا ضد شركات التكنولوجيا المملوكة لأمريكا.
لكن ستارمر، الذي استلهم أفكاره من المواجهة الأسبوعية مع المعارضة في البرلمان، رد باختصار على شكوى فانس، وقال: “لقد تمتعنا بحرية التعبير في المملكة المتحدة لفترة طويلة جدًا، وستستمر لفترة طويلة جدًا”.
ويرى الكاتب أن محاولة ترامب التقليل من قيمة ضيوفه، تضعهم أمام مشكلة، وعليهم تجهيز أنفسهم والتحضير للمواجهة. كما عليهم التفكير بكيفية الظهور أمام ناخبيهم في الوطن.
فإن فشلوا في الوقوف في وجه ترامب، فسيبدون ضعفاء، أما إن ردوا بقوة، فقد يحصلون على دعم شعبي، مثل زيلينسكي، لكنهم قد يضرون بمصالحهم الوطنية إذا خرجوا من اللقاء وقد أغضبوا ترامب، الذي لا ينسى الضغينة.
كما يجب على القادة أن يحاولوا تجنب الوقوع في فخ الكاميرات، بينما يقول ترامب أو يفعل شيئًا يؤكد ضعفهم النسبي مقارنة بالولايات المتحدة.
وبالنسبة لزيلينسكي، فقد حاول مواجهة الرئيس ونائبه، وطُرد من البيت الأبيض لأنه ردّ بغضب على مطلب فانس إظهار الامتنان على الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وقد قضى زيلينسكي أسابيع وهو يحاول إصلاح الخطأ.
ولعل أنجح الزعماء هم الذين يخرجون أنفسهم من المأزق دون الظهور بمظهر المبتذل. فقد حمل ستارمر معه دعوة من الملك تشارلز الثالث لزيارة بريطانيا بشكل رسمي، قائلًا إن هذا شرف لبريطانيا، وبخاصة أن ترامب تلقى دعوة مماثلة من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية في ولايته الأولى.
ولا يُعرف عن ستارمر أنه شخص طبيعي في أدائه، لكنه حظي بثناء بسبب ذكائه في التعامل مع الموقف.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد حاول تصحيح كلام الرئيس وزعمه أن أوروبا لا تنفق الكثير على أوكرانيا، ولكن بلمسة بدت عفوية و”عزيزي دونالد”، خفف من حدة تصحيح الخطأ.
واعتمدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تريد أن تلعب دور الجسر بين ترامب وأوروبا، على التقارب في الأفكار، من ناحية تزعمها لحزب يميني شعبوي، وزارت ترامب سابقًا في مقره بـ”مار إي لاغو” في فلوريدا، وتعتبر نفسها من بين أصدقائه.
وخلال الزيارة الأخيرة لها، حاولت التأكد من أن مترجم كلامها ينقله بدقة، ولهذا قاطعته، كما لعبت على فكرة ترامب “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، حيث قالت إنها والرئيس يستطيعان جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى.
ولم يواجه أي زعيم أجنبي ضغطًا محليًا في المكتب البيضاوي بقدر ما واجه رئيس الوزراء الكندي مارك كارني. ففي النهاية، كان قد فاز لتوه في انتخابات هيمن عليها العداء لمطالب ترامب بضم كندا، من خلال لفّ نفسه بعلم كندا.
وحاول كارني التحدث إلى ترامب بلغة يفهمها قطب العقارات الذي أصبح رئيسًا. قال: “هناك أماكن لا تُباع أبدًا، وبعد لقائي بمالكي كندا خلال الحملة الانتخابية قالوا إنها ليست للبيع، ولن تُباع أبدًا”. وعندما رد ترامب قائلًا: “لا تقل أبدًا”، أكد كارني: “أبدًا أبدًا”.
لكن ترامب كانت له الكلمة الأخيرة، حيث شنّ خطابًا لاذعًا عن مدى الظلم الذي تتحمله الولايات المتحدة من خلال دفعها جزءًا كبيرًا من تكلفة الدفاع عن كندا عسكريًا، ثم طلب من الصحافة المغادرة، ولم يستطع كارني أن ينطق بكلمة واحدة.
وفي النهاية، لا يعرف القادة ماذا سيحصل معهم في حضرة ترامب. وهو ما يقودنا إلى ليو الرابع عشر، بابا الفاتيكان الجديد. وكان فانس في الفاتيكان، نهاية الأسبوع الماضي، لحضور قداس تنصيب البابا، وسلم مظروفًا أبيض ضخمًا يحمل الختم الرئاسي، ويحتوي على دعوة لزيارة البيت الأبيض. وسمع ليو وهو يقول: “في مرحلة ما”، ربما في إشارة إلى نيته قبول العرض.
لكن روبرت بريفوست، الذي كان يشغل منصبًا سابقًا في شيكاغو، لم يبدُ على عجلة من أمره. ربما يعود ذلك إلى أنه من غير المعقول تقريبًا تصور الرجل الذي يعتبره الروم الكاثوليك ممثلًا لله على الأرض، وهو يخضع طوعًا لضغوط المكتب البيضاوي وخطاب ترامب العلماني نوعًا ما. ومن المرجح أن تتبع أي زيارة مفاوضات مكثفة مع الفاتيكان بشأن البروتوكول. لكن مشهد أشهر أمريكيين على وجه الأرض في المكتب العريق سيكون أمرًا لا يُصدق، كما يقول الكاتب.