آفاق السلام السوري – اللبناني – الفلسطيني مع إسرائيل

حميد قرمان

لا يمكن إعادة ترتيب مشهد الشرق الأوسط، بكل ما حمله من تداعيات وارتدادات للصراع الذي اندلع في السابع من أكتوبر قبل ما يقارب العام ونصف العام، دون طرح رؤى ومقاربات سياسية متقدمة تستند إلى الواقع الجديد الذي تشكل بفعل انهيار مشروع محور إيران وأذرعه الميليشياوية، إلى جانب محاولات إسرائيل التمدد خارج حدودها بابتلاع أراضٍ عربية، تشمل جنوب سوريا ولبنان وقطاع غزة ومناطق من الضفة الغربية.

ظهرت على السطح إشارات سياسية عديدة تؤكد استعداد نظام أحمد الشرع من جهة، وحكومة نواف سلام بدعم قوي من الرئيس جوزيف عون من جهة أخرى، للانخراط في مباحثات سلام مع إسرائيل برعاية أممية، تشارك فيها أطراف أوروبية، تركية، وعربية، فضلا عن دعم حثيث مغلف بمسعى جدي من إدارة الرئيس دونالد ترامب، الطامح إلى تنصيب نفسه رجل السلام الأول في العالم.

في الماضي، مضت مسارات السلام قدما بالمسار المصري والأردني، والمسار الفلسطيني الذي تعطل بسبب اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، وتتابع حكومات اليمين الإسرائيلي التي طمست التزاماتها في اتفاقية أوسلو عبر إجراءات أحادية الجانب على أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة.

حصيلة هذه المسارات، لو تحققت في وقتها، كانت ستجبر دولة الاحتلال ومؤسساتها على الالتزام برؤية موحدة تجمع المصريين والأردنيين والفلسطينيين كطرف واحد أمام إسرائيل، التي قادتها حكومات يمينية، أغلبها برئاسة بنيامين نتنياهو، للتمرد على المسار الفلسطيني السلمي، والتهرب من استحقاقاته عبر خلق وقائع على الأرض تفرغ حل الدولتين من مضمونه القائم على اتفاقية أوسلو، الموقعة في حديقة البيت الأبيض برعاية الولايات المتحدة، والتي تم اعتمادها لاحقا، بجميع ملحقاتها وبروتوكولاتها، من قبل مؤسسات الأمم المتحدة.

في السنوات الأخيرة، أبرمت دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اتفاقات سلام مع إسرائيل تحت مفهوم السلام الإبراهيمي، واستطاعت الإمارات توظيف هذه الاتفاقات لخدمة القضية الفلسطينية، والمساهمة في تخفيف تداعيات الحرب على غزة عبر حملات ومساعدات إنسانية مستندة إلى نفوذها الدولي وعلاقاتها مع الجانب الإسرائيلي.

اليوم، تتجدد فرصة سانحة لتحقيق السلام في المنطقة عبر فتح مسارات سورية ولبنانية، ما قد ينعكس على استكمال المسار الفلسطيني المتعطل، خصوصا في ظل مناخ إقليمي ودولي جديد يقوده قادة عرب ودوليون، ويسعى إلى تعزيز مقاربات سياسية ومسارات اقتصادية تهدف إلى تشكيل أرضية صلبة لسلام شامل بين شعوب المنطقة، يقوم على التعايش في أمن واستقرار وازدهار.

في ضوء نتائج زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، وضغط السعودية والإمارات لتحجيم حكومة بنيامين نتنياهو، بدأت التقارير الإعلامية والصحفية تكشف عن تصاعد الخلافات والتباعد في وجهات النظر بين الرجلين، إضافة إلى تهديدات أميركية جدية بخفض الدعم عن حكومة تل أبيب، التي باتت تدرك أن التعامل مع إدارة ترامب الجمهورية يختلف تماما عن التعامل مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن الديمقراطية.

مع انحسار المشروع الإيراني، وتحييد بعض أدواته، وسقوط عاصمتين مما كان يُعرف بعواصم نفوذه في الشرق الأوسط، تبرز قيادة عربية قادرة على فرض معادلات سياسية تحقق بناء جسور الثقة والتواصل مع إدارة ترامب وأطراف دولية وازنة، لابتكار أفق سياسي مشترك ومحكوم بأدوات إستراتيجية مؤثرة، يمكنها إحداث اختراقات في مواقف جامدة بفعل الصراع المستمر.

السلام ذو المسارات المشتركة الجامعة يستطيع تحقيق المصالح الإقليمية في ظل طموح اقتصادي عابر للحدود، تقوده المملكة العربية السعودية بالتعاون مع الأردن والإمارات ومصر، ليستند في نجاحه إلى السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، لإنقاذهم من مستنقع الصراع المستمر، واستعادة مفاهيم الدولة الوطنية التي تحكمها سلطة سياسية واحدة، وقانون واحد، وسلاح شرعي واحد، بحيث يخضع قرارا السلم والحرب للدولة، وليس للميليشيات التي زجّت بشعوب المنطقة في أتون الفوضى والقمع والاستغلال.

نقلا عن العرب اللندنية