السياسي – يتجول بيننا الآن عدد من المواطنين الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وهم مسؤولون مباشرة عن قتل تسعة إخوة أعمارهم دون 12 سنة، في هجوم على بيتهم في خان يونس. ربما هم في الجيش النظامي أو في الجيش الدائم أو في الاحتياط، فهذا لا يهم. النشاطات التي نفذوها انتهت بموت تسعة، تسعة أطفال، أعمارهم دون 12 سنة، وأصيب الدهم إصابة بالغة، وكذلك الأخ الوحيد الذي بقي على قيد الحياة. كانت الجثث الصغيرة محروقة وممزقة. الأم شاهدت الجثث وأشلاء أولادها عندما أحضروا إلى المستشفى، هي طبيبة هناك.
الجمهور الإسرائيلي لا يهتم بألمها، بل ربما يحتفل بمشاهدة هواية الانتقام. والدهم طبيب أيضاً. ليس للوالدين أي صلة بحماس، هما طبيبان وأطفالهما ليسوا مخربين، أبرياء ولا يستحقون الموت وليس لهم صلة بحماس. أطفال صغار لم يخططوا لقتل الجنود، أو اغتصاب النساء في غلاف غزة، أو اختطاف مسنين في سيارات التندر أو على الدراجات.
ما الذي سيقوله الجنود لأنفسهم، الذين قتلوا هؤلاء الأطفال؟ الأطفال قتلى، ولكن هؤلاء الأبرياء هم الذين قتلوهم. في نهاية المطاف، قتل الأطفال في غزة ليس هوايتهم، بل هوايتهم الرفقة والبطولة وقتل المخربين، وليس الأطفال. إذا كان الأمر هكذا، فهل يقولون لأنفسهم بأنهم أخطأوا، خطأ ساذج لأناس أبرياء.
حسب بيان الجيش الإسرائيلي، هم لاحظوا عدداً من الأشخاص الذين اعتبروا مشبوهين في منطقة قتال خطيرة، التي سبق للجيش الإسرائيلي أن أخلاها من المدنيين لحمايتهم. من هنا، فالخطأ ليس خطأهم. وهو ليس خطأ بريئاً، ببساطة… لم يخطئوا. الأطفال هم الذين أخطأوا، الوالدان هما اللذان أخطأوا. هم حصلوا على فرصة مناسبة لإخلاء المكان لحماية أنفسهم. الوالدان هما المسؤولان عن موت الأولاد، لأنهما لم يخليا، وخرقا التعليمات. ربما يقولون لأنفسهم بأن تشويشاً ما حدث. هكذا الأمر في ساحة القتال. فوضى، يحدث هذا، أمر لا يمكن تجنبه. ربما كان هناك سوء فهم بشأن المبنى المهاجَم. ربما أخطأ الوالدان في الاعتقاد بأنه يمكن العودة إليه. يصعب أن تكون والد، لا سيما في غزة. الآباء يرتكبون الأخطاء. أحيانا أخطاء الآباء تكون قاتلة.
في كل الحالات، الجنود هم الأبرياء هنا، نواياهم حسنة، ما زالوا أخلاقيين، كل الجنود الذين شاركوا في العملية التي قتل فيها تسعة إخوة دون 12 سنة. أبرياء. أخلاقيون. الجنود الأكثر أخلاقية في العالم. هم على حق.
أيدي جنود الجيش الإسرائيلي غير ملطخة بدماء الأطفال الأبرياء في غزة. نعم، الجنود هم الذين ينفذون القتل، لكن الدماء على أيدي مخربي حماس، وليس على أيديهم. حتى لو كانوا هم الذين ضغطوا على الزر الذي أطلق القنابل، وحتى لو كانوا هم المسؤولين عن تشخيص خاطئ للهدف. وحتى لو كانوا هم أنفسهم آباء لأطفال وقادرين على تخيل كيف سيشعرون لو شاهدوا جثثاً وأشلاء أولادهم عندما يتم إحضارها إلى المستشفى.
الدماء ليست على أيديهم لأن أيديهم بريئة، وكذلك قلوبهم. هم الأبرياء في هذه القصة. في هذه التراجيديا المخيفة.
رغم أن حماس لم تعد تشكل تهديداً استراتيجياً، ورغم أن القتال لم يعد ضرورياً، وأن الاسرى في الأنفاق سيموتون بسببه، إلا أنهم أبرياء. هم جنود، تلقوا أوامر ينفذونها، أوامر غير قانونية بشكل واضح؟ الجيش الإسرائيلي لا يعطي أوامر غير قانونية. الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. لذلك، فإن أي أمر يعطيه يكون قانونياً، أمراً بريئاً. الجيش الإسرائيلي جيش بريء.
هآرتس 27/5/2025