حماس ونتنياهو.. سادية المصالح

أيمن خالد

لأول مرة يتفق خصمان باغيان على إطالة أمد الحرب بينهما إلى زمن غير موعود، في الوقت الذي يخسر فيه كلاهما معركته للوصول إلى ما يريد ويؤذي من هو وراء ظهره. حماس تركت غزة تخسر عشرات الآلاف من الموت دون إحساس بالرحمة أو شعور بالمسؤولية، ونتنياهو يخسر قطاعاً واسعاً من شارعه في الداخل، ويخسر في الخارج مساحة دبلوماسية واسعة دون اكتراث لنتائج ذلك. كلاهما تحكمهما سادية المصالح التي لم تجمع نقيضين متحاربين على هذه الشاكلة، بين طرف يسعى إلى تحويل موت الآخرين وقهر ذويهم من أجل تعزيز مصالح الجماعة، وآخر يستخدم ما فاق العقل وقدرة العالم المتحضر على الاحتمال بغية تحقيق هدف محال الوصول إليه.

فالمفاوضات بالنسبة لحركة حماس لم تذهب إلى مفاوضات إنقاذ الأرواح، بقدر ما بقيت تذهب نحو إنقاذ حماس، في محاولة لاكتساب شرعية دولية على حساب اكوام من اللحم البشري الذي يحترق بين الحرب والجوع،

بغية الحصول على توافقية تفضي إلى تحقيق مصالح حماس، والتي لم تتراجع عنها رغم تقلص سقف المعروض من الخيارات، فيما يصبح الزمن وحجم الكارثة الإنسانية وسيلة أساسية في انتظار وترقب المتغير الذي تتوهم حدوثه.

من جانبه يصر نتنياهو على استمرار الحرب عابثاً بمصير من قال إن الحرب قامت من أجلهم، وهم الذين سبق وقضى كثير منهم في نيران إسرائيلية، وسط إعلان صريح من شركاء نتنياهو أن المختطفين ليسوا الأكثر أهمية في المعادلة، وبينما تبدو صورة حماس وكأنما تعاقب سكان غزة باعتبارهم لم يبايعوها بيعة مطلقة، يود نتنياهو أن يفعل ذلك لإسرائيل لأنها أخذته إلى المحكمة والتي لا يزال يدخل ويخرج منها ولا يكرر سوى كلمات واحدة أنه لا يتذكر شيئاً مما ينسب إليه، بما في ذلك الرشاوى التي ربما سارت إلى منزله دون علمه.

هنا سادية المصالح، بين طرف يعمل وفق عقلية تمارس العقلانية من وجهة نظرها، عندما تريد إنتاج وصناعة ضحايا لا تشعر بالألم، تماماً كما قال القيادي في حماس سامي أبو زهري” البيوت سنعيد بناءها.. وأما الشهداء.. عشرات الشهداء سننتج غيرهم” فالعملية مقاربة عجيبة فلا مجال للشعور بالذنب تجاه حجم الألم الذي يعتصر أكباد الضحايا، أمام شكل من اشكال الاستعباد النفسي والمعنوي للضحية بحيث يصبح مطلوبا منها أن تقبل نوعاً مقيتاً من القهر، بمقابل من لا يرى حجم الألم الذي خلفّه للضحايا وفق تبرير يستند إلى تعطيل عقلي ممنهج.

تماماً في الوقت ذاته الذي يقوم فيه نتنياهو بعملية محو من الوجود لذات الضحية في غزة وكل ما هو محيط بها من مكون مادي يشهد على زمانها وفق سادية غير معهودة، ويود أن يبرر لمن خلفه ذلك، فيما يظهر لأول مرة في تاريخ الحروب، أن الضحية هذه المرة هي واحدة، وأن الخصمان يقتتلان عليها ولا أحد منهما يريد استبعادها من معادلة الحرب. هذه الحرب التي تعني عند حماس أن الضحايا فيها هم وسيلة بقاء للحركة، في الوقت الذي يرى فيه نتنياهو وحكومته المتطرفة، أن زيادة حجم الضحايا يأتي بالانتصار الموعود، في عملية احتفاظ لطرفي الصراع بالضحية والاستمرار في استنزاف ما أمكن من منفعة منها، وهو الذي يجعل من هذه الحرب خارجة عن السطور بما تحمل من بعد بلاغي ومشاعر كتبت فيها، وسيكون صعباً ليس على السياسيين فحسب، بل وحتى علماء الاجتماع كتابة صياغة نظرية توازي حجم ما يحدث فيها.

السادية في عالم الغاب غير العاقل تصل في نهاية المطاف إلى نتيجة وتستقر الغابة بعد صراع ونزيف، والسادية في العالم البشري تضع في يومها التالي مصالح تامة أو منقوصة، لكنها بالعموم تفترض نهاية تنتقل اليها، وخطاب نظري تغلفه بملامح إنسانية في الغالب، لأن العالم أصغر من غابة مترامية الأطراف، فهو في بعده الإنساني مجرد قرية صغيرة وبيوت متجاورة، تسمع فيها البشرية همس بعضها البعض، غير أننا امام سادية المصالح التي لا يفيد فيها صوت الصراخ حتى يستشعر العقلاء العقل، أو يميلوا الى الحكمة بغية الوصول الى اليوم التالي والذي كلما اقترب يعيد الساديون فيه انتاج ما يحول دون الوصول إليه، ولن يصلوا إليه.

غزة بحاجة الى مفاوضات إنقاذ أرواح وليس إلى مفاوضات انقاذ مصالح حماس ونتنياهو.