الصراع على أذن ترامب

نقاش حاد داخل الحزب الجمهوري بين الانعزاليين والمحافظين يضع ترامب أمام معضلة: هل يفي بوعده بإنهاء الحروب أم ينضم إلى الهجوم الإسرائيلي الناجح؟ أربعة عوامل رئيسية قد تحسم قراره

تحليل يكي دايان – القناة 12

إحدى آخر تغريدات الرئيس دونالد ترامب على شبكته الاجتماعية Truth Social لا تترك مجالاً كبيراً للشك – الولايات المتحدة تريد أن تبقى على مسافة معينة من المواجهة العسكرية المتصاعدة بين إيران وإسرائيل:

“الولايات المتحدة لم يكن لها أي علاقة بالهجوم على إيران الليلة. إذا تعرضنا لأي هجوم من قبل إيران، فإن القوة الكاملة لقواتنا ستنهال عليكم بمستويات لم تُشاهد من قبل. ومع ذلك، يمكننا بسهولة التوصل إلى صفقة بين إيران وإسرائيل وإنهاء هذا الصراع الدموي!!!”

في هذه المرحلة من العملية العسكرية الناجحة، وبعد التحدي الكبير في منشأة فوردو النووية، المخصصة لقاذفات B2 الأمريكية، يبرز سؤال مركزي:
هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة للانضمام إلى الهجوم؟ أم أنها ستسعى إلى إنهاء سريع للحرب، في ضوء وعود ترامب المتكررة بأنه جاء لينهي الحروب لا ليبدأ حروبًا جديدة، وخصوصًا بعد تغريدته أمس (السبت) في محادثته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يرغب بدوره في إنهاء الحرب؟

إلى هذا السؤال تُضاف معركة شرسة تجري الآن داخل قاعدة الحزب الجمهوري بين الانعزاليين والمحافظين.
الانعزاليون، من المحيطين بترامب إلى صناع الرأي على شبكات التواصل، يرون أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتدخل في الحرب مع إيران، ويجب أن تتركها لإسرائيل وحدها. يتجلى ذلك بوضوح لدى تاكر كارلسون، المؤيد البارز لترامب، الذي كتب في منشور: “تخلوا عن إسرائيل” (drop Israel).
كذلك تشارلي كيرك، أحد أبرز المؤثرين في أوساط الشباب، قال: “أنا مؤيد لإسرائيل، لكن لا مصلحة لأمريكا في هذه الحرب. كيف تخدم هذه الحرب شعار أمريكا أولاً؟”

هذه المواقف ليست جديدة في صفوف اليمين الأمريكي، بل هي متجذّرة فيه ومشبعة بنفحات معادية للسامية.
هذا هو نفس اليمين الذي آمن بأن حرب العراق عام 2003 كانت نتيجة مؤامرات المحافظين اليهود مثل ريتشارد بيرل، دوغ فيث، وولفويتز وآخرين، الذين دفعوا أمريكا نحو حرب لا تخصها وإنما من أجل إسرائيل.
وهو أيضًا اليمين الذي اتهم اليهود بالسيطرة على الاقتصاد الأمريكي عند اندلاع الأزمة المالية عام 2008، من غولدمان ساكس إلى برنارد مادوف.
الفرق الآن أن أصواتهم باتت أعلى وأكثر تأثيرًا.

في المقابل، هناك “الصقور” المحافظون في الحزب، الذين يعتقدون أن إسرائيل تقف في الخط الأمامي للمواجهة، وأن على أمريكا الوقوف إلى جانبها. من هؤلاء سياسيون ومؤثرون في الإعلام مثل مارك ليفين، روبرت مردوخ وآخرين.

فأين يقف ترامب في هذا الصراع؟
ترامب انتُخب على أساس وعده بإنهاء الحروب لا البدء بحروب جديدة – وحتى الآن، لم ينجح كثيرًا بذلك.
نعلم أن اتخاذه لقرار الموافقة على هجوم إسرائيلي لم يكن سهلاً، وكان نتاج ظروف متراكمة:
• فشل متوقع للمفاوضات مع إيران
• انتهاء المهلة التي حدّدها بنفسه للمحادثات
• تقرير حاد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية
• التنسيق الجيّد مع إسرائيل

كلها عوامل دفعته إلى رفع الحظر عن تنفيذ هجوم عسكري إسرائيلي.
لكن رغم أن أمريكا تشارك على عدة مستويات – تسليح، لوجستيات، استخبارات، تنسيق دفاعي عبر الجنرال كوريللا وقيادة سنتكوم – إلا أنها لا تشارك في الهجوم نفسه.

هناك أيضًا الخوف الجيو-استراتيجي الأمريكي من أن أي تدخل مباشر قد يجرّ مواجهة مع روسيا والصين، ولذلك فهي حذرة جدًا.
ترامب في هذه المرحلة يرغب أن يدفع التصعيد إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، مدفوعًا باعتقاده أن النظام الإيراني يفضّل البقاء على امتلاك قنبلة نووية.

معضلة ترامب تجاه إيران

فهل من المستحيل أن ينضم ترامب إلى الحرب؟
هناك أربعة عوامل قد تدفعه نحو قرار مغاير:
1. هجوم إيراني مباشر على القوات الأمريكية – هذا قد يغيّر المعادلة فورًا، رغم أن الاحتمال ضعيف لأن الإيرانيين حذرون في ذلك.
2. رفض إيراني للعودة إلى المفاوضات – حينها، وقد يرى ترامب النجاح الإسرائيلي، قد يقرر الانضمام للحسم. ترامب يحب الفائزين، وعبّر عن إعجابه بالهجوم الإسرائيلي في سلسلة تغريداته بعد اليوم الأول للهجمات.
3. هجوم إسرائيلي محتمل على حقول النفط الإيرانية – وهو أمر لا ترغب به الولايات المتحدة، التي تسعى للحفاظ على أسعار نفط منخفضة. في هذه الحالة، قد يفضّل ترامب استهداف منشآت نووية مثل فوردو بدلًا من السماح بضربات قد ترفع أسعار النفط.
4. تأثير شخصية قريبة من ترامب – قد ينجح أحد المقربين منه بإقناعه بضرورة الانضمام. الأمر يذكّر بما حدث عام 1947، عندما ساهم صديق طفولة يهودي للرئيس ترومان، إيدي جيكوبسون، بإقناعه بلقاء حاييم وايزمن، مما مهد الطريق للاعتراف الأمريكي بدولة إسرائيل.

خلاصة

ترامب لا يُظهر في الوقت الراهن شهية كبيرة للمشاركة في الهجوم. من المرجح أن تحاول إيران إنهاء الجولة قريبًا، لكنها تواجه إسرائيل التي استعدت لهذه الحرب منذ أكثر من 20 عامًا.
لا يجب وقف الهجوم قبل تحقيق أهدافه: وقف البرنامج النووي الإيراني.

حتى لو قررت الولايات المتحدة عدم الانضمام عسكريًا، فإن أي عودة محتملة للمفاوضات بين إيران وترامب يجب أن تشمل تفكيكًا كاملاً للبرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى مطلب إضافي لطالما رددته إسرائيل دون استجابة أمريكية كافية: وقف برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

ترامب يمكنه أن يواصل الدعوة إلى وقف الحرب كما يفعل في غزة، لكن إسرائيل يجب أن تستمر حتى تحقق أهدافها، بمساهمة أمريكية في المرحلة النهائية – عسكرية أو دبلوماسية