إسرائيل تباغت إيران..ضربة استباقية تهزّ المنطقة

علاء مطر

هناك نشوة في إسرائيل لم تعشها منذ سنوات طويلة، بوصولها إلى منشآت عسكرية ونووية حساسة في إيران واستهداف قادة كبار من الحرس الثوري والعلماء النوويين، وهو الأمر الذي تحلم به منذ سنوات وعقود، وبذلك تكون اسرائيل قد وجهت الضربة الأكثر إيلاما لإيران، لكن شظاياها وصلت أبعد كثيرا من بلاد فارس، وهي ضربة معنوية وصلت أصداؤها لكثير من العواصم التي اهتزت مع الرجة التي تعرض لها برنامج طهران النووي.

البرنامج النووي الإيراني، الموضوع الأبرز في المنطقة والذي شاغل إسرائيل لعقود، وتعرف ايران بأن إسرائيل ستقصفه وستستهدفه بأي لحظة رغم المفاوضات الجارية بين ايران والولايات المتحدة، وظل يشكل هاجسا لدوائر أمنها والاسم الدائم في تقارير الأمن القومي والتهديدات المحيطة.

إذا، كيف حدث ذلك وتمكنت إسرائيل من الوصول الى مواقع حيوية من ضمنها منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وأصفهان، ومراكز قيادة عسكرية ومخازن صواريخ؟ كيف يكون البرنامج النووي الأخطر والأكثر حساسية موجودا تحت رماية الصواريخ الإسرائيلية ومعروف لكل العالم وأولهم إسرائيل؟ ما الذي حدث لإيران حتى تتعرض لكل هذه الضربات وهي التي تتباهى دائما بقوتها وتحذر بكلمات نارية إسرائيل إن مست بها؟ كيف نجحت إسرائيل باستخدام طائرات شبحية بدون طيار، وصواريخ دقيقة التوجيه، وشنّت هجمات إلكترونية شلّت كل الدفاعات الإيرانية؟

أسئلة كثيرة يطرحها المتابعون وهم يراقبون قدرة إسرائيل على الوصول لما وصلت إليه.

الحقيقة، هي أنه منذ عقود يجري تداول مصطلح التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل وكلما تقدم الشرق الأوسط خطوة تتقدم إسرائيل أبعد، فهذا الفارق الذي ظهر مؤخرا يحتاج إلى قراءة من نوع مختلف لكن الأهم أن البيئة الشرق أوسطية سياسيا وعسكريا أبعد من قدرتها على صناعة هذا التوازن الذي تم اختصاره بالسلاح وهي ليست منتجة له بأجياله، فيما العلم والقضاء والمجتمع بلا رعاية ولا عناية يسهل على إسرائيل اختراقه فمعظم من تساقطوا بسبب الحاجة للمال في دول شديدة الفقر وتلك حالة مجتمعات عربية وإسلامية ومن ضمنهم ايران.

نعم، لا يمكننا تخفيف وطأة الضربة على إيران، ولكن إسرائيل لم تكن تبحث عن ضربة عابرة، بل عن فرصة عمر تشكّل إضاعتها تبديدا لحلم وجهد استغرق عقودا وهي تتحين الفرصة، فقد اتخذت قرارها ثلاث مرات بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية قبل أكثر من عشر سنوات، لكنها توقفت عندما أدركت محدودية تلك القوة، فهي دولة قدمت نفسها على أنها مهيمنة إقليميا لديها من فائض القوة ما يجعلها قادرة على تقديم خدمات الحماية لدول الإقليم، بعد أن خلصت في إحدى مؤتمراتها إلى الدعوة لتشكيل محور سني في مواجهة إيران، وهو الأمر الذي تعاطى معه البعض مؤقتا قبل أن يكتشف قوته الكامنة وضعف مكانة ومحدودية قوة إسرائيل التي يمكن لها الاستعراض في غزة وقتل المدنيين، لكن خارج غزة فالحسابات تختلف.

ورغم محاولة الدفاعات الجوية الإيرانية الرد، إلا أن حجم الضربة ودقتها كشفا عن ثغرات أمنية في شبكة الحماية الإيرانية، وهو ما ظهر في وقوع أضرار جسيمة في بعض المنشآت، وفقا لما تحدثت مصادر إيرانية مطلعة.

إسرائيل بطبيعتها بررت الهجوم بأنه “ضربة وقائية مشروعة” جاءت بعد تحذيرات متكررة من تنامي خطر البرنامج النووي الإيراني، والذي تعتبره تهديدا وجوديا. كما أشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن “التحركات الدبلوماسية فشلت في كبح جماح طهران”، وأن “الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات حاسمة”.

الطبيعي، أن هذا الهجوم يعكس دخول الصراع بين إسرائيل وإيران مرحلة جديدة أكثر خطورة، ويثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الأمن في المنطقة. فإلى أي مدى ستتجه إيران للرد؟ وهل ستبقى المواجهة محدودة أم ستنجر أطراف أخرى إليها؟، حيث يُخشى من زعزعة استقرار الخليج العربي، وتهديد طرق إمدادات الطاقة، واندلاع مواجهات في لبنان وسوريا، حيث النفوذ الإيراني والإسرائيلي يتقاطعان بحدة.

ورغم نجاح الهجوم الإسرائيلي على إيران في إيصال رسالتها بأن تل أبيب لن تنتظر أحدا لوقف البرنامج النووي الإيراني، غير أن الهجوم لن يكون مرحلة عابرة، وأن الرد عليه لن يكون سهلا مثل السابق، بل سيفتح الباب أمام مرحلة أكثر دموية في الشرق الأوسط، خصوصا وأن نتنياهو كان ينتظر وصول صديقه المتهور دونالد ترامب، وهو ما حصل، أي يعني أن الحرب قائمة وسيبقى نتنياهو يفكر كيف يورط صديقه ولن يتراجع، رغم أن الأخير كان قد وعد بـ”عالم بدون حروب”..