توارت الأحاديث في وسائل الاعلام، عن حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها قطاع غزة منذ قرابة العامين، التي كانت متوهجة قبل أيام، وذلك مع تصاعد الضربات الإسرائيلية على إيران وتبادل طهران الرد معها، في تصعيد إقليمي غير مسبوق لا يعرف أفق لنهايته، حيث يواصل الجيش الإسرائيلي هجماته على القطاع بالتزامن مع الضربة الجوية الواسعة التي شنّها ضد إيران، وهو أمر يثبت أن إسرائيل قادرة على فتح جبهتين متوازيتين، في ايران وغزة، خلافا لما كانت بعض الأطراف تتحدث عنه بأن إسرائيل لا تفتح جبهتين قتال.
وباشتعال هاتين الجبهتين، يحقق نتنياهو حلمه القديم والتاريخي بضرب إيران “البعبع الكبير” لمنطقة الشرق الأوسط، بعدما تخلصت من حماس وحزب الله وسوريا أي محور المقاومة بالمنطقة، لكن الأمر الغريب في الموضوع هو اعتبار اسرائيل أن من حقها تأديب الدول وأي منطقة “متمردة” كيفما تشاء لكنها تندهش عندما يتم ضربها لتعتبر أن الرد الإيراني الطبيعي هو تجاوز للخطوط الحمراء!
ولهذا يمكننا اطلاق اسم “أم الحروب” عليها مثلما أطلق عليها الصحافي الإسرائيلي بن كاسبيت “أم كل الأعداء” وحرب النهايات الحالمة لإسرائيل قبل إعلان الانتصار النهائي وتتويجها سيدا للمنطقة، إذا ما تمكنت من جر الولايات المتحدة للدخول عسكريا بما تملك من قوة.
إذن فإن إسرائيل تسعى لإسقاط النظام الإيراني وليس فقط البرنامج النووي كما تقول، وجعل نظام خامنئي ضمن دائرة النار، وهو ما ظهر في كبر وضخامة الهجمة الإسرائيلية الأولى على ايران، وكأنها كانت تتحضر لها منذ ربع قرن، حتى شلّت دفاعات الدولة، لكن بالمقابل فإن إيران رغم شدة الضربة كانت تتحضر لهذا اليوم، بينما يقف قطاع غزة “المغلوب على أمرة” بين ايران وإسرائيل ويتلقى منذ بداية الهجوم سلسلة ضخمة من الغارات الجوية المكثفة التي تستهدف المدنيين، مما تسبب بارتقاء عشرات الشهداء ومئات الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، في ظل ظروف إنسانية كارثية.
وفي الوقت الذي تزامن فيه الهجوم على ايران مع حرب غزة المتواصلة منذ أشهر طويلة، فإن اسرائيل تحاول فرض واقع جديد على الأرض، أبرزها إضعاف قدرة الفصائل الفلسطينية على الرد أو التنسيق مع حلفائها الإقليميين.
إنها “رسائل الردع” إلى حزب الله وسوريا والمليشيات في العراق، عن طريق ضرب غزة وايران في الوقت ذاته، هكذا ترى القيادة العسكرية الإسرائيلية، خصوصا عن طريق استغلال إسرائيل عنصر المفاجأة والسيطرة على زمام المبادرة، عبر توجيه ضربات استباقية لمن تعتبرهم أطرافًا في “محور المقاومة”، إلا أن هذا النهج بطبيعة الحال محفوف بالمخاطر، إذ أن فتح جبهتين في آن واحد يُمكن أن يستنزف القدرات العسكرية الإسرائيلية، خاصة في حال اندلاع انتفاضة فلسطينية واسعة في الضفة الغربية أو تحرك جبهات الجنوب اللبناني.
دخول إسرائيل بـجبهتين بشكل متزامن في غزة وإيران، يكشف اللثام عن تحوّل خطير في السياسة الإسرائيلية نحو المواجهة المفتوحة في أكثر من ساحة، غير أن الرهان الإسرائيلي على القوة العسكرية وحدها دون حلول سياسية عادلة لن يحقق الأمن والاستقرار وهذه هي طبيعة البشرية..