*- الشاعر “محمود علي سعيد”… مواليد فلسطين .. الجليل الغربي.. ترشيحا.
*- رئيس فرع حلب للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
*- رئيس تحرير مجلة المقاومة.
*- عضو اتحاد الكتاب العرب.
*- صدر له: ثمانية وعشرون كتابا (شعر – قصة – قصة قصيرة جداً – دراسات. )
*- من إصداراته:
1- افتراضات مضيئة على خارطة الوطن – شعر.
2- شمس جديدة في ترشيحا –شعر.
3- الرصاصة – قصص قصيرة جداً.
4- المدفأة – قصص قصيرة جداً.
5- قراءة في واقع الثقافة العربيّة المعاصرة.
6- لي من الحقل العصافير – شعر.
7- القصة القصيرة جداً – تجليات قوس قزح .
8- ترجم نتاجه إلى عدّة لغات .
9- ينشر نتاجه في معظم صحف ومجلات الوطن العربي المتخصصة.
10 هو عضو في العديد من المؤسسات الثقافية والاتحادية مثل:
( عضو أسرة مجلة النافذة الثقافية – وعضو أسرة مجلة الكاتب الفلسطيني – عضو اتحاد التشكيليين … الخ.).
البنية الدلاليّة والفكريّة في القصيدة:
هي حال عشاق الوطن الذين فَرَضَ عليهم من جعل من أرضهم موطناً له باسم أساطير التاريخ, أن يُشردا في كل بقاء الأرض دون رحمة أو نزعة إنسانيّة, وحتى من يدّعون بأنهم حماة حقوق الإنسان, لم يهتموا بآلام وعذابات هؤلاء المشردين الذين اقتلعوا من أرضهم ووطنهم قسرا, وغالباً برغبة وعلم حماة هذه الحقوق الإنسانيّة أنفسهم.
هذا الإحساس بألم الغربة والتشرد, نجده عند الشاعر الفلسطيني الكبير “محمود علي السعيد”, الذي شكل عنده الحنين للوطن هاجساً أو جذوة حنين لا تنطفئ نارها وهو يحلم بالعودة إلى مربى الصبا وألق الديار, وهو الذي لم تزل روحه تنزف شوقاً وحنيناً إلى أراجح الطفولة, ولم يزل يخطو إلى المجهول خطوة مدنف تتيم فيها جنوب الوطن بشماله. كما تحول الصمت عنده من ألم الفراق الطويل إلى صرخة تواقة أن يسمعها من يشتاقهم في وطنه. يقول الشاعر:
هيهاتَ يا ألقِ الديارِ يعودُ لي أفقٌ ترقرقَ خلفهُ الموالُ.
نزفتْ على الماضي أراجيحُ الصبا وأضاءَ مصباحُ النجومِ غزالُ.
أخطو إلى المجهولِ خطوةَ مدنفٍ فيها تتيمَ بالجنوبِ شمالُ.
الصمتْ أبلغُ صرخةٍ تواقةٍ لمسامعِ التوصيلِ حينَ تقالُ.
القاربُ المشتاقُ عرّشَ حولهُ من فرطِ ما اشتعلَ الهوى شلالُ.
وتطايرتْ فوقَ السطوحِ براعمٌ لتضجَ من ألمِ الفراقِ جبالُ.
الليلُ كأسٌ والنديمُ هلالُ والهمسُ في قلقِ السؤالٍ سؤالُ.
لم تكن الغربة تحقق يوماً الدفء والحنان والسعادة لمن غادر الديار مجبراً, فالجراح تظل نازفة حتى لو كانت ديار الغربة جنان, وكذلك الشوق والحنين للوطن, ونصوص الورد في ديار الغربة فكل ذلك يتحول إلى لغة مغرم, أما المزامير فتتحول إلى جراح تبكي نصالاً تنغرس في القب فتدميه… ومسالك الغربة, تتحول كما يقول الشاعر “محمود علي السعيد” إلى غيمة تتسلقها آمال المشردين بالعودة للوطن.
أعيتْ نصوصُ الوردِ لَغْتَهَ مغرمٍ وبكتْ مزاميرَ الجراحِ نصالُ.
وغزا الصقيعُ الدفءَ في أعشاشهِ ما عاد في طبقِ الحرامِ حلالُ.
وتقطعتْ ولهاً مسالكُ غربةٍ سمقتْ على غيماتها الآمالُ.
يظل أمل العودة إلى ملاعب الصبا حلماً يداعب شغاف قلب مشردي فلسطين, ومنهم الشاعر “محمود علي سعيد” الذي يخاطب أهله وصحبه الذين شردتهم مثله الغربة ومزقهم شوق وحنين العودة قائلاً: لا تيأسوا واجعلوا آمالكم في العودة إلى الديار حقيقة, فالآمال حدائق ربيع جميل .. لن يبقى فيها القرنفل يشتكي هجر النسائم.. ثم يعود ليخاطب وطن الأصالة فلسطين ليقول له لقد هامنا الشوق إليك .. ليتك تجود علينا بقبلة لقد أورقت أصواتنا ونحن نناجيك, ولكن لا يعود لنا سوى الصدى الذي يحز في قلوبنا ويزيدنا شوقاً لك. حيث يقول:
أطلقْ جناحَ القوسِ في تسيارهِ صوبَ الحدائقِ فالربيعُ جمالُ.
ومُحالٌ أن يبقىَ القرنفلُ يشتكي هجرَ النسائمِ في الصباحِ محالُ.
وطنُ الأصالةِ لو تجودُ بقبلةٍ الصوتُ أورقَ والصدى قتّالُ.
نعم هي إرادة البقاء والعودة للوطن تظل تتفجر كبركان في داخل كل فلسطيني, فلا مساومة على الوطن ولا تخاذل ولا نسيان حتى لو أشعل العدو كل نيرانه بحق من هاجر أو ظل في الوطن يقاوم.
فهذا هو الشاعر المناضل المناضل “محمود” الذي لم يهدأ يوما ولم يخبوا صوته منذ أن أصبح يجيد الكلمة ويحولها إلى طلقة, وهو الذي قال يوما: الكلمة أشد فتكاً من الطلقة.. ها هو يقول بأعلى صوته لكل رجال فلسطين وأهلها, لا تخافوا أو تجزعوا إذا الحرائق اشتعلت وغرد الرصاص.. وإذا ضحى الرجال بأرواحهم من أجل فلسطين وتحولت دموع من يبكون على من استشهدوا إلى مياه زمزم ستطهر الأجيال القادمة.. هذه القدس منارة رغم كل ما يجري لها ولأهلها من ظلم وقهر, فكيف لا تشدّ لها الرحال, وتدق لها صدور الرجال : يقول الشاعر:
لا تعبأنّ إذا الحرائقُ أشعلتْ وهفا إلى شدوِ الرصاصِ رجالُ
وتبرجتْ في المقلتين جنازةٌ تزكو بزمزمٍ طهرها الأجيالُ
من لم يذقْ وجعَ الصبابةِ مرةً ويدقُ صدرَ فؤادهِ التجوالُ
القدسُ في نعشِ المساءِ منارةٌ إلا إليها لا تُشَدُّ رحالُ.
البنية الفنيّة والجماليّة في القصيدة:
لا شك أن البنية الفنيّة والجماليّة في القصيدة, هي مجموعة من العناصر التشكيليّة والجماليّة التي تساهم في خلق تأثير شعري مميز على المتلقي، وتساهم في إيصال المعنى والتأثير الجمالي إليه. هذا وتشمل عناصر البنية الفنيّة والجماليّة كل من الوزن، والقافية أو ما يسمى بالموسيقى، والوحدة الفنيّة، والأسلوب، واللغة، والصور البلاغية، والرمز.
اللغة في القصيدة:
تظل اللغة في القصيدة, أكثر من مجرد مجموعة كلمات، بل هي أداة للتعبير عن الأفكار والمعاني التي يريد الشاعر البوح بها بشكل فريد ومبهر. واللغة تلعب أيضاً دورًا حيويًّا في تشكيل معنى القصيدة, وإضفاء بصمات جماليّة عليها كونها تخرج عن اللغة المألوفة، وتتجاوز المعنى الحرفي للكلمات, لتثير المشاعر والأحاسيس، وتفتح آفاقًا واسعة من التفسيرات والإيحاءات.
من هذا الموقف المنهجي في رؤية جماليّة وفنيّة اللغة, نأتي إلى قصيدة الشاعر “محمود علي السعيد”. (ضلعي ), فالشاعر يمتلك براعة الخلق اللغوي بسبب ما حاز عليه من خبرة طويلة قضاها في عالم الأدب بشكل عام والشعر والقصة القصيرة جداً بشكل خاص، لقد استطاع في قصيدته هذه, أن يزيل عن اللغة رتابتها، وينزع عنها برودتها، وليس ذلك بانتقاء لغة خاصة غير مألوفة، وإنما بإعادة صياغة تلك اللغة بطريقة فنيّة أعطتها بريقها، وحولت برودتها إلى توهج, فالكلمة في القصيدة جاءت لتجسد معاناة أمّة شرد وقتل مئات الآلاف من أبنائها.. لغة حملت في كل دلالاتها أصواتاً نابضةً بالحياة، فياضةً بالدلالة والحيويّة, أضفى عليها من روحه وعمق تجربته وأحاسيسه المرهفة ما جعلها كذلك، فهو يرتبط بلغته عن طريق عالقة خاصة تتجاوز المألوف.. وهذا ما جعل اللغة في القصيدة مع كل بساطتها وسهولتها وفصاحتها ورهافتها والأهم (نسيبها) المشبع بالشوق والحب والحنين, منسجمة مع السياق النفسي للشاعر, ومع تجربته الداخليّة العميقة.
لقد جاءت لغة القصيدة مشبعة بدلالات الغربة والتشرد والحنين والتحدي والألم: مثل ( النصال .. بكت .. الصقيع.. الدفء ..الجراح .. المشتاق .. الغربة.. الآمال.. ألم الفراق.. أراجيحُ الصبا.. المجهول.. مدنف… أساك … جفاك.. ) وغيرها من مفردات لغة القصيدة التي تكاد أن تشكل قاموساً لوصف حالات التشرد والحنين والشوق والعذاب والألم .. الخ.
الصورة في القصيدة:
تلعب الصورة الشعريّة في القصيدة دورًا أساسيًا في خلق جماليتها وإضفاء عمقٍ على المعنى. إنها ليست مجرد وصف مرئي، بل هي طريقة للتعبير عن الأفكار والمعاني بشكل إبداعي ومؤثر… إنها تثير الخيال وتجعل النص أكثر حيويّة, ويكتسب الشعر أهميته ودوره من الصورة الشعريّة التي تعطي الألفاظ المؤلفة للغة قدرتها الإيحائيّة في الدلالة، بل تزيد من جاذبية القصيدة وتجعلها أكثر إثارة وجاذبيّة, ولا تقتصر أهميّة الصورة هنا على الشاعر والمتلقي، بل تتجاوزهما إلى الناقد الذي يتخذها معيارًا لتقويم تجربة الشاعر وبيان مدى أصالتها، والكشف عن قدرة الشاعر في تشكيلها.
من هذا المنطلق نأتي على الصورة في قصيدة الشاعر “محمود علي سعيد”, المتمكن من حرفته بسبب خبرته الطويلة, والمتميز بعمق ثقافته وشفافيّة إحساسه وانغماسه الكلي في هموم وطنه وشعبه.
إن الصورة عنده لم تأت من باب الزخرفة والتزويق في القصيدة بهدف خداع المخاطب وإيهامه, بل جاءت من كونها عمليّة تفاعل متبادل بين الشاعر والمُتلقِّي للأفكار والحواس، من خلال قدرة الشاعر على التعبير عن هذا التفاعل بلغة شعريّة تستند إلى المجاز، والاستعارة، والتشبيه؛ بهدف استثارة إحساس المُتلقِّي واستجابته. دعونا نسلط الضوء على بعض الصور التي جاءت في القصيدة لنبين قدرة الشاعر على تصوير معاناته وخلجات الروح لديه أولا, وعند عموم المواطنين الفلسطينيين ثانياً, وكل ذلك يأتي من خلال ربط هذه المعاناة بالطبيعة والحلم والأمل والغربة والتشرد واستمراريّة جذوة النضال لتحرير الوطن والمواطن. لقد جاءت الصورة بعموم النص الحسيّة منها والتخيليّة إضافة لما حققته من جمال الشكل, جاءت وسيلةً للتعبير عن بنية النص الفكريّة أيضاً.
(الليلُ كأسٌ والنديمُ هلالُ).. (والهمسُ في قلقِ السؤالٍ سؤالُ)… (أعيتْ نصوصُ الوردِ لَغْتَهَ مغرمٍ)… (وبكتْ مزاميرَ الجراحِ نصالُ)… (وغزا الصقيعُ الدفءَ في أعشاشهِ).. (وتقطعتْ ولهاً مسالكُ غربةٍ).. (وسمقتْ على غيماتها الآمالُ).. (وتطايرتْ فوقَ السطوحِ براعمٌ).. (لتضجَ من ألمِ الفراقِ جبالُ)…( وطنُ الأصالةِ لو تجودُ بقبلةٍ).. (الصوتُ أورقَ والصدى قتّالُ).. ونأتي أخيراً إلى تلك الصورة التي يشكل مضمونها عنوان نضال كل فلسطيني وعربي أصيل. (القدسُ في نعشِ المساءِ منارةٌ)… (إلا إليها لا تُشَدُّ رحالُ.).
الموسيقى والايقاع في القصيدة:
رغم وجود فرق بسيط بين وزن القصيدة المتعلق بعروضها وقافيتها, وهو ما يسمى بالموسيقى الخارجية, وبين الايقاع في القصيدة الذي يسمى بالموسيقى الداخليّة, التي تتجلى في ذلك التناغم الداخلي الحاصل في الصوت الداخلي للنص الناجم عن الحالة النفسيّة والشعوريّة للشاعر التي تتطابق وتتناغم وتنسجم مع الحروف والكلمات, ومع الوحدة الموسيقيّة العامة, إلا أن الشاعر الحديث المتمكن من حرفته يستطيع أن يلغي تلك الفروقات الطفيفة ليجعل من موسيقى قصيدته رتماً واحداً متجانساً في مكوناته.
لقد استطاعت قصيدة (ضلعي) في وزنها (البحر الكامل) ورويها (حرف اللام) وتناغم حروفها, وبراعة اختيار الكلمات وتراكيبها وصورها, وتحقيق الترابط ما بين المعنى والمبنى, أن تحمل أهميّة كبيرة في التأثير على المتلقي، فالشاعر استطاع أن يختار الوزن المناسب لمقام أغراض القصيدة حيث جعل من القافية وحروفها، وخاصة حرف الروي (اللام)،مناسبة لهذا الجو المفعم بالشوق والغربة والحنين والألم والضياع:
القاربُ المشتاقُ عرّشَ حولهُ من فرطِ ما اشتعلَ الهوى شلالُ
وتطايرتْ فوقَ السطوحِ براعمٌ لتضجَ من ألمِ الفراقِ جبالُ
هيهاتَ يا ألقِ الديارِ يعودُ لي أفقٌ ترقرقَ خلفهُ الموالُ
نزفتْ على الماضي أراجيحُ الصبا وأضاءَ مصباحُ النجومِ غزالُ
أخطو إلى المجهولِ خطوةَ مدنفٍ فيها تتيمَ بالجنوبِ شمالُ
ففي هذه الأبيات, بل في كل أبيات القصيدة نجد موسيقـى حـزينة كئيبـة شجيّـة، وخاصة عندما أختـار القافية أو حرف الروي المناسبة لهذا الجوّ وهذا المقام, وهو حرف ( اللام ) المكسور المضموم، وهو حرف من حروف اللسان، فكأنّه يقول بلسانه، وبملء فيه، أنا مكسور القلب ومشتاق لوطني ولملاعب صباي وذكريات طفولتي…
أما الايقاع الداخلي للقصيدة, فقد جاء في بنية القصيدة من خلال تناغم الحروف, وبراعة اختيار الكلمات وتراكيبها وصورها.
الرمز والايحاء والاشارة في القصيدة:
إن للرمز والاشارة والايحاء في الأدب قبل كل شيء, معنىً خفيّاً, يحاول الأديب عكس ما يدور في خلده عبرهم. والرمز في الشعر العربي الحديث بشكل عام, يعتبر الوليد الشرعي لظروف القمع السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري، فالأديب يصعب عليه أن يطلق أفكاره بحريّة تامة وبصورة مباشرة, لذلك يلجأ الى تقنية الرمز والقناع. وتزداد قيمة الرمز والقناع وأثرهما محل الأشياء بكونهما تعبيراً لا شعوريّاً يتجاوز الواقع الى الايحاء به أو الاشارة له ، فهو قد يبدأ من الواقع ولكن لا يرسم الواقع، بل يُردُّ الى الذات، وفيها ينهار عالم المادة وعلاقاتها الطبيعيّة لتقوم على انقاضها علاقات جديدة مشروطة بالرؤية الذاتيّة لمستخدم الرمز.
بالرغم من غياب الرمز في القصيدة “ضلعي”, إلا أن حضور القناع بإيحاءاته وإشارته جاء منشراً في كل خلايا القصيدة, لعبر عن حالات من القهر والظلم والتشرد والأم, إضافة لتعبيره عن حالات وجدانية مشبعة بالحب والشوق والحنين للوطن وترابه وملاعب الصبا وكل ما يذكر به. فالقناع هنا لم يأت خوفاً من سلطة, وإنما لإبراز قدرات الشاعر الابداعيّة والجماليّة من جهة. إضافة لكونه يعني حالة باطنيّة معقّدة من أحوال النفس، وموقفا عاطفيّاً أو وجدانيّاً من جهة ثانية. وبوصفه أيضاً أكثر فاعليّةً وقدرةً على التعبير بدلالات واسعة مختلفة من جهة ثالثة.
إن عنوان القصيدة (ضلعي), له دلالاته وإيحاءاته وإشاراته العميقة في القصيدة, فـ (الضلع), هو أحد ركائز الصدر عند الإنسان, وهو بانحنائه يشكل قوسا تقوم عليه دعائم بوابة بيت وجمالية وطن وعمق تاريخ, وهو بانحنائه يعبر عن عاطفة حب وحنان جياشة عند الشاعر تجاه ما فقده في غربته وضياعه من مفردات وطنه. يقول الشاعر عن هذا الضلع الذي شغل كل إيحاءات وإشارات القصيدة:
وغزا الصقيعُ الدفءَ في أعشاشهِ ما عاد في طبقِ الحرامِ حلالُ
وتقطعتْ ولهاً مسالكُ غربةٍ سمقتْ على غيماتها الآمالُ
القاربُ المشتاقُ عرّشَ حولهُ من فرطِ ما اشتعلَ الهوى شلالُ
وتطايرتْ فوقَ السطوحِ براعمٌ لتضجَ من ألمِ الفراقِ جبالُ
هيهاتَ يا ألقِ الديارِ يعودُ لي أفقٌ ترقرقَ خلفهُ الموالُ
نزفتْ على الماضي أراجيحُ الصبا وأضاءَ مصباحُ النجومِ غزالُ.
ثم تأتي (القدس) في القصيدة رمزاً حسيّاً مقدساً لشعب آمن بأن القدس بالنسبة له هي سر وجوده وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي.. وكيف لا تكون كذلك بالنسبة لكل فلسطيني عاش القهر والتشرد, وعرف طريق النضال والتضحية بدمه من أجلها. بل عُرف الرجالُ ذاتهم من خلال حبهم لها والتضحية من أجلها: يقول الشاعر “محمود علي سعيد”:
القدسُ في نعشِ المساءِ منارةٌ إلا إليها لا تُشَدُّ رحالُ.
وعندما تشد الرحال إلى القدس فهي تُشدُّ بالضرورة لفلسطين كلها. فلسطين التي تم الايحاء بها بـ (الوطن) وهي التي عرفها الشاعر بوطن الأصالة.. ووطن الأصالة يرخص كل شيء من أجل تحريره وعودة المشردين من أهله إليه:
وطنُ الأصالةِ لو تجودُ بقبلةٍ الصوتُ أورقَ والصدى قتّالُ
أرشفْ رحيقَ العمرِ من عنقودهِ واخلعْ أساكَ إذا جفاكَ منالُ
لا تعبأنّ إذا الحرائقُ أشعلتْ وهفا إلى شدوِ الرصاصِ رجالُ
واستصرختْ قممَ النسورِ مآذنٌ وسما بأولى القبلتين بلالُ
وتبرجتْ في المقلتين جنازةٌ تزكو بزمزمٍ طهرها الأجيالُ
من لم يذقْ وجعَ الصبابةِ مرةً ويدقُ صدرَ فؤادهِ التجوالُ
إن القصيدة بعمومها شكلت لوحة فنيّة في صورها ولغتها ورمزها وإيحاءاتها ونسيبها ورتمها الموسيقي الحزين. صاغها أو رسمها شاعر عربي أصيل متمكن من حرفته وصادق في عواطفه وعشقه لوطنه. وجاء تكرار حرف (الواو) في اشتغاله على العطف في بنبة القصيدة (والنديمُ.. وبكتْ.. وغزا.. وتقطعتْ.. وتطايرتْ .. وأضاءَ.. ومُحال.. والصدى… الخ.). ليربط كل مكونات القصيدة مع بعضها ويجعل منها لوحة فنية متكاملة في كل مفرداتها من صورة ورمز ولغة ليعطيها اسماً أو عنواناً آخر هو (جمر الحنين).
كاتب وباحث من سوريا.
d.owaid333d@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر محمود علي السعيد
قصيدة (ضلعي).
الليلُ كأسٌ والنديمُ هلالُ والهمسُ في قلقِ السؤالٍ سؤالُ
أعيتْ نصوصُ الوردِ لَغْتَهَ مغرمٍ وبكتْ مزاميرَ الجراحِ نصالُ
وغزا الصقيعُ الدفءَ في أعشاشهِ ما عاد في طبقِ الحرامِ حلالُ
وتقطعتْ ولهاً مسالكُ غربةٍ سمقتْ على غيماتها الآمالُ
القاربُ المشتاقُ عرّشَ حولهُ من فرطِ ما اشتعلَ الهوى شلالُ
وتطايرتْ فوقَ السطوحِ براعمٌ لتضجَ من ألمِ الفراقِ جبالُ
هيهاتَ يا ألقِ الديارِ يعودُ لي أفقٌ ترقرقَ خلفهُ الموالُ
نزفتْ على الماضي أراجيحُ الصبا وأضاءَ مصباحُ النجومِ غزالُ
أخطو إلى المجهولِ خطوةَ مدنفٍ فيها تتيمَ بالجنوبِ شمالُ
الصمتْ أبلغُ صرخةٍ تواقةٍ لمسامعِ التوصيلِ حينَ تقالُ
أطلقْ جناحَ القوسِ في تسيارهِ صوبَ الحدائقِ فالربيعُ جمالُ
ومُحالٌ أن يبقىَ القرنفلُ يشتكي هجرَ النسائمِ في الصباحِ محالُ
وطنُ الأصالةِ لو تجودُ بقبلةٍ الصوتُ أورقَ والصدى قتّالُ
أرشفْ رحيقَ العمرِ من عنقودهِ واخلعْ أساكَ إذا جفاكَ منالُ
لا تعبأنّ إذا الحرائقُ أشعلتْ وهفا إلى شدوِ الرصاصِ رجالُ
واستصرختْ قممَ النسورِ مآذنٌ وسما بأولى القبلتين بلالُ
وتبرجتْ في المقلتين جنازةٌ تزكو بزمزمٍ طهرها الأجيالُ
من لم يذقْ وجعَ الصبابةِ مرةً ويدقُ صدرَ فؤادهِ التجوالُ
القدسُ في نعشِ المساءِ منارةٌ إلا إليها لا تُشَدُّ رحالُ.