العدالة والقضاء الغربي الرأسمالي وفي مقدمته القضاء الأميركي مثلوم ومشوه، لا يتفق مع روح العدالة والقانون، بل يعكس مبدأ استغلال الانسان للإنسان، والكيل بمكيالين، وغارق حتى اذنيه في السياسة، ولم يكن يوما محايدا لا في داخل الدول وفق دساتيرها، ولا ينسجم مع روح القانون الدولي، إذا تعارضت أي قضية مع مصالح النظام، أو حساباته الإقليمية والدولية، لأن أولوياته تتمركز في تكريس نزعاته وأجندته الخاصة، حيث تتكالب السلطات التشريعية مع التنفيذية مع القضائية في خدمة المصالح الاستراتيجية، فينتج أحكاما جائرة ومتناقضة مع روح القانون، حتى لو في غفلة من الزمن حكم قضاة محكمة من محاكم تلك الدول حكما يحاكي القانون والعدالة النسبية، يقوم غلاة الأنظمة الامبريالية بالطعن في تلك الاحكام، والغائها تمشيا مع اهدافها.
وتتجلى هذه الازدواجية في المعايير في القضايا التي تتعلق بشعوب العالم الثالث، بحكم انها شعوب مغلوب على أمرها، بالتلازم مع استباحة الدول الامبريالية المنابر والهيئات الأممية بما في ذلك المحاكم الدولية وخاصة محكمة العدل الدولية، في حال تم اللجوء لها لإنصاف تلك الشعوب من المظلومية التي لحقت بها من احكام وقوانين جائرة لا تمت لحقوق الانسان والعدالة الأممية بصلة.
ولنا في الغاء المحكمة العليا الأميركية اول أمس الجمعة 20 حزيران / يونيو الحالي قرار وحكم محكمة أميركية أدنى عام 2022 لصالح منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، حيث رفض القاضي جيسي م. فورمان في 6 كانون ثاني / يناير دعوى قضائية ضدهما، كانت قد رفعتها اسرة آري فولد، وهو مستوطن مزدوج الجنسية الأميركية الإسرائيلية قتل عام 2018، وجاء قرار المحكمة العليا بإجماع القضاة التسعة، مع ان الحكم السابق جاء منسجما ومتماهيا مع القانون الأميركي. الا ان المحكمة العليا تسلحت بالقانون الذي اقره الكونغرس الأميركي الصادر عام 1990 المعروف بقانون مكافحة الإرهاب، والذي تعزز بقانون الاختصاص القضائي لعام 2019، الذي اعتبره رئيس المحكمة العليا جون روبرتس يتوافق مع حقوق الإجراءات القانونية الواجبة المنصوص عليها في التعديل الخامس للدستور، وقال “يجوز للحكومة الاتحادية صياغة بند قضائي محدد يضمن، في إطار برنامج أوسع للسياسة الخارجية، للأميركيين المصابين أو القتلى جراء أعمال إرهابية منبرا مناسبا للدفاع عن حقهم” في التعويض بموجب القوانين المذكورة انفا. وبالتالي يسمح بتسهيل رفع دعاوي قضائية على السلطة الفلسطينية من قبل ذوي القتلى والمصابين الاميركيين في هجمات في خارج الولايات المتحدة، ومنحهم الحق في الحصول على تعويضات مالية عن أعمال عنف وقعت في الضفة الغربية أو داخل دولة إسرائيل.
ولننتبه الى الاتي، كانت الادارة الأميركية زمن الرئيس السابق جو بايدن طعنت في الحكم، كما فعلت إدارة الرئيس دونالد ترمب الأولى والحالية، بالإضافة لمجموعة من ذوي القتلى والمصابين الاميركيين الذين طعنوا في قرار المحكمة الأدنى، الذي ألغى إحدى مواد ذلك القانون الجائر. ومن بين المدعين أسر حصلت في عام 2015 على حكم بتعويض قيمته 655 مليون دولار في قضية مدنية، وذريعتهم أن م. ت. ف والسلطة كانتا مسؤولتين عن سلسلة من عمليات إطلاق النار والتفجيرات التي وقعت في محيط القدس في الفترة 2002 الى 2004.
وعلى مدى السنوات الماضية تصدر محاكم أميركية قرارات مختلفة فيما ان كان لديها اختصاص للنظر أم لا في قضايا تتعلق بالسلطة والمنظمة، وعليه نلحظ ان الإدارات الأميركية والكونغرس والقضاء الأميركي الاعمى والمنحاز لاحقت المنظمة والسلطة الفلسطينية بسبب وبدون سبب، وبغض النظر ان كان القانون يسمح أو لا يسمح، وكما رأينا ان رئيس المحكمة العليا الأميركية في مرافعته، طالب بإضافة بند على تعديل الدستور الخامس عام 2019 في استهداف واضح للمنظمة والسلطة، أي ان التعديل آنف الذكر، لا يوجد به ما ينص على السماح لأي محكمة بالنظر في القضايا المتعلقة بمنظمة التحرير، ومع ذلك صوت القضاة التسعة على الغاء قرار المحكمة الأدنى، وهو ما يكشف زيف القضاء الأميركي وعدم قانونيته، وتناقضه مع روح الدستور الأميركي، ولبوسه الثوب الإسرائيلي وغلاة الصهاينة والافنجليكان الاميركان.
كما ان الولايات المتحدة الأميركية تعلم أن م. ت. ف والسلطة تبنت خيار السلام والمفاوضات لبلوغ الحل السياسي، واستقلال دولة فلسطين المحتلة على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967. ورغم ذلك لم تأبه لذلك، وغضت النظر عن المواقف الإيجابية للمنظمة وتمسكها بخيار السلام. كما ان قضية آري فولد، هي قضية مستوطن استعماري في أرض الدولة الفلسطينية المحتلة، ومن حق أبناء الشعب الفلسطيني الدفاع عن حقوقهم السياسية والقانونية الشرعية التي كفلها القانون الدولي، ولكن المحكمة العليا الأميركية تماهت مع رؤية نتنياهو وسموتريش وبن غفير وقانون “القومية االاساس للدولة اليهودية” الصادر عام 2018 باعتبار الضفة الفلسطينية وكل أرض فلسطين التاريخية هي أرض “إسرائيلية” أو هي وفق خطاب السفير الأميركي هاكابي “يهودا والسامرة” المفهوم التوراتي اللاهوتي الاساطيري للضفة الفلسطينية.
