شهداء غزة في يوم أكثر من قتلى إسرائيل بأسبوع

باسم برهوم

كل الذين قتلوا من الإسرائيليين منذ بدء الهجمات الصاروخية الإيرانية قبل أكثر من أسبوع لم يبلغ عددهم عدد من يستشهدون في قطاع غزة في يوم واحد، حتى في ظل انشغال إسرائيل في حربها مع إيران. عدد القتلى اليهود في 9 أيام لم يتجاوز الثلاثين، في حين عدد شهداء غزة يوميا يتراوح بين 40 إلى 90 أو مئة شهيد. والمسألة لا تقارن بالأرقام، فالمواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة يتضورون جوعا، يعيشون في حالة بؤس شديد لم يشهدها مكان آخر في العالم حتى في ذروة الحربين العالميتين الأولى والثانية من القرن الماضي، والمسألة الثانية والأهم أن حرب الإبادة متواصلة دون أن يلتفت لها العالم.

والمفجع بالأمر أن قسمًا كبيرًا ممن يستشهدون يوميا، هم من أولئك الذين يحاولون ويجهدون للحصول على الغذاء من مراكز “صندوق غزة”، التي بات يطلق عليها بؤر الموت، يقتل الغزيون بسبب الجوع مرتين، مرة وهم يجوعون، وأخرى وهم يحاولون الحصول على القليل من الطعام. العالم المنشغل بالضربة الأميركية لإيران، متى وكيف؟ او بالصواريخ التي تسقط على إسرائيل لم يعد يلتفت لما يحدث في قطاع تاركين جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتل ويقصف ويدمر بلا اي تغطية إعلامية، ولا تصريح واحد من اي من السياسيين في العالم يندد بمواصلة إسرائيل لحرب الإبادة.

ما يجري في قطاع غزة الآن والعالم مشغول بالحرب الإسرائيلية الإيرانية، هو ان إسرائيل تقوم بتنفيذ مخطط خبيث يسعى إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في قطاع غزة، بعد ان قامت بتفكيك القطاع كمنطقة عمران وحياة. تقوم إسرائيل بتفكيك المجتمع وإشعال الفوضى داخله ليصبح صومالاً ثانية، وحروبا بين فئات على لقمة العيش، على كيس الطحين. تحاول إسرائيل خلق بيئة طاردة، فما لا تستطيع تهجيره بالقسر والإجبار والإجبار، هو سيرحل من تلقاء نفسه بسبب بؤس الحياة ومخاطرها، وفقدان أي امل بإعادة البناء على المدى المنظور.

ان هدف إسرائيل لم يعد القضاء على حماس. لأنها فعليا حققت ذلك في غزة، انما هدفها السيطرة الكاملة على القطاع بدون فلسطينيين، او عدد قليل جدا منهم، فما يجري في قطاع غزة هو عملية تطهير عرقي هي الاكثر بشاعة في التاريخ، تطهير من خلال حرب إبادة، من خلال تدمير كل اشكال الحياة، والتجويع، وتفكيك المجتمع بالكامل وإجباره على الرحيل.

التحليل السابق يتضمن تحذيرا للعالم انه مقبل على كارثة إنسانية فظيعة، لا يمكن ان يغمض عينه عنها حتى وهو مشغول بالنووي الايراني. وفيه تحذير للدول العربية، بأنها على وشك ان تواجه الفاجعة الكبرى، النكبة الجديدة للشعب الفلسطيني، التي حاولت تلافيها منذ السابع من اكتوبر 2023. وفي ظل صعوبة اللحظة في قطاع غزة فإن الخطوة الأولى، بهدف تلافي الأسوأ. مطلوبة من بقايا حماس، بأن تبادر إلى الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين فورا. والآن في ظل الحرب، مقابل تامين الغذاء للغزيبن المتضررين جوعا وخوفا وقلقا على مصيرهم، وان تتوقف حماس عن التصريحات العبثية حول اليوم الثاني، وان تعلن انها ستسلم القطاع للسلطة الفلسطينية الشرعية، لأنه قد لا يكون يوم تالٍ للقطاع إذا لم نتصرف بالحس الوطني الواعي.

هناك حاجة لتفحص ما يجري من حولنا من متغيرات جذرية في الشرق الأوسط، وعلى حماس ان تدرك ان مناوراتها القديمة لم تعد تلائم الواقع الجديد في الشرق الأوسط، إلا إذا حالت طبيعة حماس الاخوانية إدراك ما يجري من حولها. ومع ذلك فإن الأمر يجب الا يترك لحماس لتقرر، فهناك مسؤولية تقع على عاتق العرب، فلا يجب انتظار ما ستقوله حماس او إسرائيل، وإنما طرح خطة عربية فلسطينية لنزع ما تبقى من السلاح في غزة، وإعادة الامن للقطاع وتزويد الناس بالغذاء والمأوى المؤقت. والحفاظ على قطاع غزة والفلسطينيين فيه كمكون رئيس من مكونات الدولة الفلسطينية.

الوقت يكاد يهرب من بين أيدينا وينفد فلا يمكن الانتظار اكثر. وبالمناسبة لا نريد أن نبقى في دائرة الأرقام وإحصاء عدد الشهداء، كما لا نريد الحروب على كل اشكالها.