المشهد البانورامي للشرق الأوسط، منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، يُلقي بظلال جدلية على مسرح الأحداث السياسية، على المستويين الإقليمي والدولي، تحت عنوان عريض يتمحور حول سؤال واحد: هل ما نشهده اليوم من تصاعد في تداعيات وارتدادات الصراع هو نتيجة حصرية للسابع من أكتوبر؟ أم أنّ ذلك اليوم كان المصير الحتمي لبوتقة فكرية جمعت أيديولوجيات مبتورة غير متجانسة في العقيدة والرؤية، تحت وهم وسراب ما سُمّي بـ”إستراتيجية وحدة الساحات” ضمن نفوذ الميليشيات الإيرانية؟
لرسم إطار لهذا التساؤل، لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى هزيمة عام 1967، التي شكّلت نهاية لحقبة الفكر القومي وقاماته التي دارت في فلك الرئيس جمال عبدالناصر، دون أن تخرج من مدار زعامته التاريخية، ودون تجديد يتجاوز رؤية الفرد إلى بناء الدولة ومؤسساتها، وهي المؤسسات التي انهارت لاحقًا أمام رؤية وفكر الرئيس محمد أنور السادات، الذي انتقل بالدولة من القطب الاشتراكي إلى الرأسمالي، في سياق انخراطه بالمعسكر الغربي.
وبالمنحى ذاته، عجّلت الحرب الأهلية اللبنانية بتحجيم الفكر اليميني المسيحي، الذي فقد عناصر قوته لصالح الثنائية السنية – الشيعية، والتي كُرّست لاحقًا في اتفاق الطائف. وبالتوازي مع ذلك، شهد العالم انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما شكّل مفترق طريق أدى إلى اندثار أحزاب اليسار في العالم العربي، مقرونًا بإفلاس فكري وسياسي.
مرورًا بأحداث مفصلية أخرى، مثل 11 سبتمبر، وحرب أفغانستان التي أنهت فكر “القاعدة”، ثم احتلال العراق عام 2003 الذي طوى صفحة البعث الصدّامي، والحرب داخل سوريا التي أنهت بدورها حقبة البعث الأسدي؛ وصولًا إلى ما سُمي بـ”الربيع العربي”، وصعود الإخوان إلى الحكم وسقوطهم لاحقًا؛ كانت كل هذه الأحداث عاملاً مؤثرًا بشكل متفاوت على العالم العربي والمنطقة.
لكن السابع من أكتوبر لم يكن مجرد محطة عابرة، ولا مجرد موجة احتجاج شعبي لقلب نظام دكتاتوري، ولا جولة تصعيد عسكرية بين ميليشيا مسلحة وإسرائيل؛ بل هو منعطف حاد في تحوّل فكري وسياسي واجتماعي وثقافي، يرسم ملامح خارطة جديدة للشرق الأوسط، بخطوطه المتعرجة صعودًا وهبوطًا.
وبناءً على ما سبق، يبرز السؤال الجوهري الذي يستدعي بحثًا وتمحيصًا عميقًا: هل مثّل السابع من أكتوبر بداية النهاية لنظام ملالي إيران، ولدوره الإقليمي القائم على ميليشيات تمكّنه من فرض نفوذ على قرارات عواصم عربية؟
وما تأثير ذلك على تنظيم الإخوان المسلمين والانقسامات التي ظهرت على السطح بعد استئثار فريق منهم بالدعم الإيراني، متخذين من طهران قبلتهم الجديدة بعد فشلهم في استثمار “ثورات الربيع” للحفاظ على سلطتهم في بعض الدول العربية؟
أما السؤال الذي ستكشف الأيام القادمة عن جوابه، فهو: هل يصمد النظام الإيراني أمام سيناريو الانهيار المحتمل، خاصة في ظل دعوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتغيير النظام واستعادة “أمجاد إيران؟”
إن الحقيقة التي تكشفها معطيات الصراع في الشرق الأوسط تتلخص في افتقار نظام الملالي إلى مقاربات سياسية واقتصادية مرنة، قادرة على إعادة تموضعه ضمن معادلة تحفظ له شرعيته داخليًا، وتتلاءم خارجيًا مع السياسة الواقعية التي تقودها دول عربية تدفع بخطاب دبلوماسي يسعى إلى إرساء السلام، كطريق يمر بعواصم المنطقة نحو استقرار تنتظره شعوب سئمت الحرب والدمار.
كل ذلك ينذر، في المحصلة، بقرب إسدال الستارة على نظام الملالي وبقايا محوره، كما حدث مع أنظمة وأحزاب وأيديولوجيات أصبحت اليوم صفحات من الماضي في تاريخ المنطقة.
العرب اللندنية