ترامب حوّل فريقه إلى ببغاوات يرددون مزاعمه و يكافحون لإثبات صحتها

السياسي – نشرت مجلة “بوليتيكو” تقريرا أعده جون سيكلارايديس تساءل فيه عن سبب صعوبة مهمة الإدارة الأمريكية في دعم مزاعم الرئيس دونالد ترامب الصارخة حول الغارات على المنشآت النووية الإيرانية. وقال إن المسؤولين الأمريكيين يحاولون إثبات أن الغارات كانت ناجحة وبدون أخطاء كما زعم الرئيس أولا. وأضاف أن واشنطن تواجه مشكلة في الترويج للضربات على إيران وأنها انتصار حاسم، مع أنها لم تقدم أدلة واضحة تثبت ذلك.

وبدأت الجهود بعد تسريب تقييم استخباراتي أمريكي سري أولي إلى الصحافة، قوض تأكيدات ترامب بأن الضربات قد “محت” البرنامج النووي الإيراني بالكامل.

ودخل ترامب ومساعدوه في الساعات الـ36 الأخيرة في معركة حادة مع الإعلام. وسارعوا إلى إصدار بيانات جديدة من رؤساء الاستخبارات لدحض التقرير المسرب، ونظموا مؤتمرا صحافيا وضّحوا فيه السنوات العديدة التي تم فيها التخطيط للضربة. حتى الآن، لم يتمكن المسؤولون من تقديم أدلة علنية مقنعة عن تدمير البرنامج النووي الإيراني المُترامي الأطراف بالكامل، وهو استنتاج من المرجح أن يستغرق من وكالات الاستخبارات أسابيع إن لم يكن أشهرا لإثباته.

وأشارت المجلة إلى أن التقييمات التي قدّموها كانت ناقصة في التفاصيل وتتراوح ما بين اللغة المبهمة حول ما إذا كان البرنامج النووي لطهران قد دمر أم أنه تعرض لانتكاسة كبيرة، وهو ما يعد إنجازا لا أهمية له، في الوقت الذي يحاول فيه ترامب ومساعدوه دحض ما أوردته وسائل الإعلام بالقول إن الحديث عن نتائج تتعلق بالعملية مبكرة، مع أنهم يحاولون عمل الأمر نفسه.

وقالت المجلة إن الإدارة الأمريكية وضعت نفسها في مصيدة “من الباكر جدا” للحديث عما حدث في العملية. وفي محاولة لرفض التقرير المسرب عن وكالة الاستخبارات الدفاعية والذي قدر أن العملية أرجعت البرنامج الإيراني النووي أشهرا إلى الوراء، أكد مسؤولو الحكومة الأمريكية على صعوبة جمع المعلومات الموثوقة وبسرعة.

وقال وزير الدفاع بيت هيغسيث في مؤتمر بالبنتاغون، إن تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية كان “أوليا وبدرجة متدنية من الثقة”، وتم تجميع معلوماته بعد يوم ونصف من الضربات. واقتبس من التقرير الذي كان يحمل نسخة منه، أنه يعترف “كتابيا” بأن جمع المعلومات الضرورية للتقييم وحول ما حدث يحتاج إلى أسابيع.

وقد جادل خبراء الأسلحة النووية ومحللو الاستخبارات بأن أسابيع أو أكثر هي إطار زمني أكثر واقعية للتمكن من التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج. وقد أتيحت لوكالات الاستخبارات ومفتشي الأسلحة النووية الدوليين والمحللين المستقلين، إمكانية الوصول شبه الفوري إلى الصور الجوية للضربات. لكنهم سيحتاجون إلى معلومات استخباراتية من مصادر أخرى شديدة الحساسية، بما في ذلك أشخاص في الموقع، لتحديد المدى الكامل للضرر.

وسيكون هذا صعبا لأن إيران غير راغبة بإخبار العالم عن الضرر الذي أصاب منشآتها النووية. وصوّت البرلمان الإيراني يوم الأربعاء على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما ركزت تقييمات مسؤولي إدارة ترامب الكبار في الغالب على الضربات التي أصابت بنجاح منشآت نووية لتخصب اليورانيوم، وتنتج وقود المفاعلات. ومع ذلك، يشك الكثيرون في أن إيران لا تزال تحتفظ بمخزون كبير من اليورانيوم عالي التخصيب وأجهزة طرد مركزي غير مركبة يمكن استخدامها لصنع قنبلة.

كما تظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في الأيام التي سبقت الضربات صفوفا من الشاحنات في موقعين من المواقع التي قصفت، فوردو وأصفهان، مما يترك الباب مفتوحا أمام احتمال أن تكون إيران قد هرّبت مكونات رئيسية من برنامجها النووي قبل الهجوم الأمريكي. ورد هيغسيث عندما ضغط عليه الصحافيون بالقول: “ليس لدي علم بأي معلومات استخباراتية اطلعت عليها تفيد بأن الأشياء لم تكن في مكانها المفترض، سواء نقلت أم لا”.

وبينما قالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، خلال تصريحات مرتبة في وقت لاحق من يوم الخميس: “لا يوجد ما يشير” إلى أن إيران نقلت أي اليورانيوم المخصب قبل الضربات، إلا أن الإدارة لم تقنع المتشككين بأنها لم تفعل ذلك أيضا.

وقدم كبار مسؤولي الأمن القومي في إدارة ترامب إحاطة مغلقة لأعضاء مجلس الشيوخ بشأن الضربات على إيران يوم الخميس. وفي حديثه مع الصحافيين بعد ذلك، قال السناتور الديمقراطي عن ولاية فيرجينيا، مارك وارنر، إنه “من الواضح” أن الضربات لم تدمر كل اليورانيوم الإيراني المخصب. وقال وارنر، العضو البارز في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ: “كان من الواضح قبل هذا الإحاطة بوقت طويل، أن بعض اليورانيوم المخصب لن يدمر أبدا بقنبلة خارقة للتحصينات”.

من جانبه، قال رفائيل غروسي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مؤتمر صحافي عقد يوم الأربعاء، إنه من المحتمل أن يكون اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب “لا يزال موجودا”. وحتى السناتور الجمهوري عن ولاية أركنساس توم كوتن، قال إن هذا المخزون ربما لا يزال موجودا لدى الإيرانيين.

وتابع كوتن: “لم يكن تدمير كل اليورانيوم المخصب لديهم أو مصادرته أو أي شيء آخر جزءا من المهمة. مرة أخرى، إنه ليس فيلما من أفلام المهمة المستحيلة”.

وبالنسبة لترامب، فإن البرنامج النووي الإيراني عُرقل. بل اقترح يوم الأربعاء، في كلمة أمام قمة الناتو أن اتفاقا نوويا مع إيران لم يعد ضروريا. لكن هناك شكوكا حول قدرات سرية إيرانية لم تصل إليها أمريكا. ومع أن إسرائيل قتلت علماء نوويين إيرانيين، إلا أن طهران لديها المعرفة والتقنية لمواصلة برنامج جديد. ولم تقدم الإدارة الأمريكية يوم الخميس تفاصيل عما حدث داخل المنشآت النووية المستهدفة بقدر تقديمها معلومات حول العملية وقوة القدرات العسكرية الأمريكية.

وفي تقييمات قدمتها مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غبارد، ومدير سي آي إيه، جون راتكليف، قالا فيها إن الغارات “دمرت” منشآت نووية إيرنية رئيسية، وستحتاج الجمهورية الإسلامية سنوات لإعادة بنائها. لكن راتكليف لم يقل إن المغامرة الإيرانية النووية قد دمرت بالكامل، “تم الإضرار وبشكل كبير بالبرنامج النووي الإيراني”. وحتى الصقور في الكونغرس، وبخاصة السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا، ليندسي غراهام والذين يعتقدون أن الضربات كانت ناجحة بشكل كامل، شككوا فيما إن كانت الضربات قد أوقفت طموحات إيران النووية.

ومع ذلك، أصر البيت الأبيض على التمسك بمزاعم ترامب المتطرفة. وفي تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” وأعده بيتر بيومنت، قال فيه إن ترامب جعل من فريقه الحكومي والوكالات الاستخباراتية تردد مزاعمه مثل الببغاوات، وهو ما يعيد صدى غزو بوش للعراق.

وأشار إلى ما قامت به إدارة بوش في حينه من اختيار المعلومات الأمنية المناسبة التي تبرر الغزو. وكيف حولت مع حكومة توني بلير في بريطانيا محاولات إثبات امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل إلى تمرين في العلاقات العامة، وهو ما ورط المسؤولين العسكريين والأمنيين.

وتحولت تصريحات ترامب الشاملة بشأن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية إلى اختبار ولاء لا مهرب منه بالنسبة لمسؤوليه الذين سارعوا إلى الالتزام بالخط، حتى في الوقت الذي أظهرت تسريبات استخباراتية شكوكا حول صحة مزاعمه.

وسارع فريقه بمن فيهم وزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب الرئيس جيه دي فانس، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف، ووزير الدفاع بيت هيغسيث للمضي في خطه. وحتى تولسي غبارد، مديرة الاستخبارات الوطنية اضطرت لعكس وجهة النظر الرسمية لمجتمع الاستخبارات التي قدمتها في وقت سابق من هذا العام عن نوايا إيران النووية.

فبعد سخرية ترامب منها ورفضه لتقييمها الأسبوع الماضي عن نية إيران تسليح برنامجها النووي، سارعت غباؤد إلى الانصياع، مدعية أن تصريحاتها أخرجت عن سياقها من قبل “وسائل إعلام غير نزيهة”، وأن إيران ربما كانت على وشك صنع سلاح في غضون “أسابيع أو أشهر”.

واستند هجوم ترامب على إيران، كما جاء في عنوان رئيسي لا ينسى في مجلة “رولينغ ستون” الأسبوع الماضي، إلى “مشاعر لا معلومات استخباراتية”.