تدهشني دهشة حركة حماس، عندما تم اتهامها بسرقة المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة المحاصر والذي يعيش إبادة لم تتوقف منذ أكثر من 19 شهرا على التوالي، أخيرا، ترى حماس نفسها في قائمة واحدة مع السارقين والبلطجية وقطّاع الطرق، والحقيقة أن الأمر تأخر كثيرا جدا في عالم انشغل بالإبادة وصرف النظر عن من ينهب المساعدات، وقد كان الأمر واضحا منذ الأيام الأولى للحصار الإسرائيلي المشدد، ولم يخفِ قادة حماس مبكرا أنهم سيصمدون “لآخر طفل فلسطيني” والإشارة المبكرة للمجاعة المنتظرة، ما كان يعني الذهاب نحو سرقة مساعدات تتجاوز ما يمكن تخيله.
الدهشة الحمساوية تعيد التفكير أكثر بطبيعة عقل قادة الحركة التي تتبع أيديولوجية إسلامية مستعدة لتقاتل لآخر رمق من أطفال شعبها ودمائه، والمهم بالنسبة لها أن الايديلوجية والحركة تبقى، هل يصدق فعلا قادتها أنهم قادة حركة ربانية ويتلبسون هذا الوصف؟ أم أنهم يعرفون أنهم على النقيض من ذلك ويصرون على أن يكذبوا ويكذبوا ويكذبوا حتى يصدقهم الناس والعالم.
في زيارة قام بها أحد قادة حماس في عام 2007 عندما تم الانقلاب على السلطة الفلسطينية بغزة، لأحد المواقع العسكرية بعد مذبحة “الإدارة المدنية” شمال قطاع غزة، كان أحد أفراد القسام في الموقع يتابعون ردود الأفعال الفلسطينية والعربية الدولية على الانقلاب، واشتكوا لهذا القيادي عن تلك الأصداء فرد عليهم قائلا: “نحن هنا الى يوم القيامة، وليس المهم ما يقوله العالم بل المهم ما تقوله وما تفعله حماس الآن”، هكذا تم تصميم أبنائهم أن يفعلوا ما يريدون من تجاوزات غير آبه بأي صدى فلسطيني أو عربي او عالمي، مدركا أن الشعب الفلسطيني لن يستطيع لجمه لأن الحركة تحمل عباية الإسلام، ومن يقف أمام الإسلام يخسر.
لكن في حالة الإنكار الشديد التي تمارسها حماس وعناصرها، ما يستدعي التفكير بطبيعة العقل الجمعي لهذه الحركة إذا ما كان سويا، وهذا مشكوك فيه لأسباب كثيرة لا يتسع لها هذا المقال أو ذكر بعض من جوانبها في مقالات مقبلة، وها نحن نرى أحد منتجاته الفادحة، فقد دفع هذا العقل الحمساوي الشعب الفلسطيني الى أن يعيش مجاعة ومقتلة لم يسبق لها مثيل، بل دفع العالم إلى شفا حرب إقليمية كبرى خلال الأيام الأخيرة.
كل ما يجري أمام العالم من سرقات ونهب وما تم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات لملثمين تابعين لما يسمى “وحدة سهم” التابعة للحركة بغزة وهم يقومون بهذه الانتهاكات وأخذ حق الناس بدلا من حمايتها، وحماس تبدو كالمجنون الذي قام بحرق المنزل ووقف أمامه يدخن سيجارته كأن لا شيء، لا يمكن تفسير الأمر إلا على هذا النحو وحين يقولون له، إنه مختل، يصاب بالدهشة حين يصارحه أحد بحقيقته، وتلك هي حقيقتها التي تجسدت على امتداد عقود من السلوك المشوّه داخل الشعب الفلسطيني.
حماس ترد بأنها لا تسرق المساعدات…! هكذا بكل بساطة، كمن ينفث دخان سيجارته وسط الحريق، فالشعب الفلسطيني والعالم كله يرى اليوم كل ما تقوم به الحركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تتوقف عن نشر مقاطع كثيرة لعناصر حماس وهي تسرق المساعدات باسم الحركة أصلا، كل هذا وتريد حماس من كل الكرة الأرضية أن تكذب نفسها وروحها وما تراه بعينها وتبتلع رواية حماس المجنونة..كيف هذا؟
لم تعرف حركة حماس بعد ما الذي حدث لها، ولم تر نفسها في المرآة بعد، ولذا لم تشاهد حجم التشوه الذي أصاب شكلها وصورتها وفكرها وايدلوجيتها وهيكلها، لم تعرف بعد أنها لن تخرج سليمة بعد هذه الحرب على كل المستويات الحكومية والحركية والسياسية والدبلوماسية، مثلما توقّع مدير الاستخبارات العسكرية في القسام أيمن نوفل في حديثه ليحيى السنوار عن سيناريوهات 7 أكتوبر إن تم تنفيذها، لم تصدق ما الذي أصابها، لم تصدق بعد أنها أصبحت حبة “بلطجية” ضد شعبها بدلا من حمايته ودعمه وحقن دمائه، التاريخ لا ينسى ولا يغفر ولا يسامح، لا يمرر أيضا.
شعبنا المنكوب بأمس الحاجة إلى مستقبل أفضل بكثير، تتم فيه محاربة اللصوص والفساد والاستغلال ومحاسبة المفسدين والمستغِلين ويتم فيه تحديد آليات لتوزيع المساعدات بلا محسوبية أو سرقات، الفصائل الفلسطينية والعشائر والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير كلكم متورطون في سرقة هذه المساعدات، والمطلوب منكم جميعا محاربة هذه الظاهرة وعدم غض النظر عنها بحجة الانشغال بالحرب، تأسيسا لحياة كريمة يجب أن تكون أفضل بكثير لشعبنا المتعب في قطاع غزة المكلوم.