التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين

بقلم د. دلال صائب عريقات

في مرحلة مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية وبعد ٢٠ شهراً من جريمة الإبادة، يبرز التحالف الدولي لحل الدولتين كفرصة نادرة لإعادة إحياء المسار السياسي وإنقاذ ما تبقى من الأمل بتحقيق العدالة والسلام. ولا يسعنا في هذا السياق إلا أن نثني على الدور الريادي لكل من فرنسا والمملكة العربية السعودية، في سعيهما لإعادة الزخم إلى المبادرة السياسية والدفع باتجاه اعتراف أوسع بالدولة الفلسطينية، بما يعكس التزاماً صادقاً بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
غير أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورغم أهميته الرمزية والدبلوماسية، لا يجب أن يظل خطوة شكلية، بل لا بد أن يُقرن بإجراءات ملموسة تضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار في جميع الأرض الفلسطينية المحتلة، من غزة إلى الضفة الغربية مروراً بالقدس الشرقية. الاعتراف بالدولة دون حماية مواطنيها من القتل اليومي والعدوان المستمر هو إفراغ للمفهوم من مضمونه، وتكريس للواقع الاحتلالي على حساب السيادة الفلسطينية.
في المقابل، على الدول الأعضاء في المنظومة الدولية أن تعمل بشكل متوازٍ على تحديد حدود دولة إسرائيل، باعتبار أن وضوح الحدود هو شرط أساسي لأية تسوية عادلة. كما أن إنهاء الاحتلال العسكري ووقف الاستيطان وفقاً للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في تموز 2024، لم يعد خياراً أخلاقياً فقط، بل التزام قانوني بات يستوجب التنفيذ.
على الصعيد الثنائي، فإن استمرار إسرائيل بالإفلات من العقاب، رغم كل الجرائم التي توثقها المنظمات الحقوقية والمحاكم الدولية، يشكل ثغرة قاتلة في النظام الدولي. لا يمكن القبول بأن دولة تنتهك بشكل ممنهج حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، تستمر في التمتع بعلاقات طبيعية مع العالم وكأن شيئاً لم يكن. بناء عليه، فإن الدول التي تعترف بفلسطين مدعوة لاتخاذ خطوات أكثر جرأة:
* فرض عقوبات على المستوطنين المتورطين في جرائم بحق الفلسطينيين وكل المستوطنين بصفتهم غير شرعيين.
* حظر التعامل التجاري مع المستوطنات، بما يشمل البضائع، المنتجات، والخدمات، انسجاماً مع قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي اعتبر المستوطنات غير شرعية وعقبة أمام السلام.
* منع مواطنيها حملة الجنسية من الإقامة في المستوطنات، واعتبار ذلك مخالفة قانونية يعاقب عليها.
* منع مواطنيها من الخدمة في جيش الاحتلال، الذي يرتكب انتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وفقاً لتعريفات القانون الدولي ولاتفاقية منع الإبادة الجماعية.
* وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، إذ أن الأسلحة التي تُورد بذريعة الدفاع تستخدم في عمليات إبادة وإعدامات ميدانية بحق المدنيين الفلسطينيين.
* فرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية الحالية، باعتبار أن إفلاتها من المحاسبة هو سبب رئيسي لاستمرار الجرائم والانتهاكات.
* الالتزام الكامل بقرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وتنفيذ مخرجاتها باعتبارها ملزمة قانونياً لكل دولة عضو في النظام الدولي.
إن استمرار الخطاب الدبلوماسي دون إجراءات عملية حقيقية على الأرض لن يؤدي إلا إلى مزيد من فقدان الثقة لدى الفلسطينيين، وسيُقوض أي إيمان بالحلول السلمية. فكيف يمكن إقناع شعب يعاني من الاستيطان والقمع والعنصرية والاعتقال والإعدامات اليومية، بجدية المجتمع الدولي في الدفع نحو السلام، ما لم يشهد المواطن العادي تغييراً ملموساً في حياته اليومية وترجمة فعلية للدبلوماسية؟
لقد أثبتت الدراسات أن استمرار الظلم وفقدان الأمل من العوامل الأساسية التي تدفع نحو التطرف. وهو ما لا يصب في مصلحة أي طرف لا الإقليمي ولا الدولي. إن المنطقة برمتها تحتاج إلى استقرار حقيقي، ولن يتحقق هذا الاستقرار إلا بالعدالة، والمساءلة، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
أخيراً، إن التحالف الدولي لحل الدولتين ليس مجرد مظلة دبلوماسية، بل اختبار حقيقي لإرادة المجتمع الدولي في إنهاء أطول احتلال عرفه التاريخ الحديث، واستعادة الثقة بقدرة النظام الدولي على تحقيق العدالة وحفظ السلام. فليكن الاعتراف بداية مسار واضح، لا غاية في حد ذاته.
وفي هذا السياق، يُشكل توزيع مجموعات العمل تحضيراً لمؤتمر نيويورك خطوة تنظيمية مهمة تعكس الجدية المتزايدة في بلورة آليات تنفيذية لحل الدولتين. إن تخصيص مجموعات متخصصة—تشمل الجوانب السياسية والقانونية والاقتصادية والأمنية والإنسانية—يمكّن من تجاوز الخطابات العامة نحو إعداد خطة واقعية تستند إلى أدوات تنفيذ دقيقة وتراعي التحديات الميدانية. غير أن نجاح هذه المجموعات يعتمد على أمرين جوهريين: أولاً، تمثيل الموقف الفلسطيني بشكل فاعل يضمن ألا تتحول المبادرة إلى خارطة طريق او عملية جديدة من سلسلة مفاوضات شهدناها لأربعة عقود سابقة؛ وثانياً، التزام الدول المشاركة بنتائج هذه المجموعات وتحويل توصياتها إلى إجراءات سياسية وقانونية عملية ملزمة. فبدون هذا الالتزام، تبقى المجموعات مجرد إطار تقني.
في ظل التغييرات التي نشهدها في الشرق الأوسط الجديد المعالم والحدود المطلوب هو إرادة سياسية تلتزم بالقانون الدولي وقادرة على تحويل العمل الجماعي إلى مسار تصحيحي يعالج جوهر الصراع، لا مظاهره أو احتوائه فقط، وهذا يتطلب الانطلاق من إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي وترجمة فعلية لإثبات جدية المبادرة.