السياسي – مؤخراً، تظهر قصص عن معارك سيطرة في الفضاء الفلسطيني، تظهر مهمة، ولكنها تدل على درس لم تتعلمه إسرائيل بعد. نشرت تقارير عن مبادرة محلية في الخليل، تهدف إلى الانفصال عن السلطة الفلسطينية وإقامة إمارة مستقلة والانضمام إلى الاتفاقات بين إسرائيل والدول العربية. في الوقت نفسه، نشرت مقابلة مع شخص يطلق على نفسه اسم “رئيس مليشيات أبو شباب” في غزة، ويتعهد بمحاربة حماس وتمثيل مصالح الفلسطينيين في القطاع.
في الخليل، سارع وجهاء عائلة الجعبري، التي يقول أحد أبنائها بأنه صاحب المبادرة، إلى التنصل من هذه الخطوة. يبدو أنها مبادرة دفنت في مهدها. في حين أن في غزة، الكل يعرف أن العميل“أبو شباب” يعمل في رفح فقط، التي هي تحت السيطرة الإسرائيلية، وأنه يعتمد كلياً على الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” من أجل بقائه. ليس تأييد شعبياً له، ومن المؤكد أنه سيختفي مع أي تغيير تكتيكي أو أي انسحاب إسرائيلي من المنطقة. هذه الحالات أمثلة آنية على أن إسرائيل تحاول استنساخ نماذج سابقة فاشلة. هي تؤمن أن قيادة “بديلة” تؤيد إسرائيل يمكنها السيطرة على السكان في غزة، الذين يعتبرون أعداء لإسرائيل، لكنه وهم. التاريخ يظهر بأن العملاء، حتى لو ظهر أنهم يوفرون الاستقرار في المنطقة، فإنهم وصفة للانفجار آجلاً أو عاجلاً.
في الثمانينيات، تفككت روابط القرى في الضفة الغربية عندما اعتبرت ذراعاً للاحتلال، في الوقت الذي حاولت فيه إسرائيل إيجاد بديل للفصائل الفلسطينية وم.ت.ف. في لبنان لم تبق تلك المليشيا التي تسمى “جيش لبنان اللبناني” بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في أيار 2000. قبل عقدين من ذلك، حاولت إسرائيل عقد تحالف في لبنان مع زعيم الكتائب والقوات المسيحية برئاسة بشير الجميل، لإبعاد م.ت.ف. ولكن اغتيال الجميل ومذبحة صبرا وشاتيلا، لم يجلبا الاستقرار ولم يوفرا الأمن لإسرائيل. بل ظهر حزب الله، الذي أصبح اللاعب المسيطر في لبنان إلى ما قبل بضعة أشهر.
انهيار هذه النماذج لا يعتبر خاصاً بإسرائيل. فالولايات المتحدة تبنت نفس الأسلوب في أفغانستان عندما قامت برعاية الرئيس حامد كرزاي، واعتمدت على جيش فاسد ومفكك، إلى أن انهار بين عشية وضحاها، وعاد “طالبان” إلى الحكم.
في العراق حدث فراغ عقب الغزو الأمريكي بدون بديل مدني موثوق، وهو الوضع الذي استغلته “القاعدة” والمليشيات الشيعية و”داعش”.
وفي سوريا ازدادت الفوضى عقب انهيار أجهزة الحكم ومحاولة الدفع قدماً بـ “قوى معتدلة”، التي مهدت الأرضية لصعود “داعش” في ظل نظام الأسد. بعد تفكك النظام، دخلت قوات إسلامية كبيرة، وصفت بأنها “ديمقراطية” وما زال حولها علامة استفهام كبيرة.
بكلمات أخرى، محاولة هندسة قيادة من الخارج، مزروعة وتعتمد على إسرائيل، ربما توفر شعوراً آنياً بالسيطرة، ولكنها على المدى البعيد تغذي الفوضى. القيادة غير الشرعية ستتحطم، والفوضى التي ستنشأ ستكون الوقود للعدو القادم. نتيجة محاولة بناء عملاء لا تنتهي بتحطمها، بل تواصل إثارة سفك الدماء حتى بعد سنوات. مثلما فتحت إسرائيل المجال لحزب الله عند انهيار جيش لبنان الجنوبي، فالولايات المتحدة فتحت باب الشرق الأوسط لإيران عند انهيار نظام صدام حسين. الفشل لا يبقى محلياً، بل يخلق موجة إقليمية.
محاولة الدفع قدماً بالخائن أبو شباب كنموذج لغزة ما بعد حماس هي بالضبط الأسلوب نفسه: حل سهل وسريع وسطحي لمشكلة معقدة تحتاج إلى عملية عميقة وبطيئة، يحدد فيها المجتمع الفلسطيني قيادته من جديد، لا أن يوافق عليها كأمر مفروض من الخارج. إسرائيل، مثل دول كبيرة سابقة، عليها استيعاب القاعدة الأساسية، وهي أنها لا يمكن هندسة الشرعية وفرض القيادة، خصوصاً على الشعب الفلسطيني. يجب أن تنمو القيادة الشعبية من أوساط الشعب وبإرادته، وإلا فمكانها سلة قمامة التاريخ.
جاكي خوري
هآرتس 8/7/2025